السويداء بوابة داوود.. والمستهدف مصر - ايجي سبورت

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السويداء بوابة داوود.. والمستهدف مصر - ايجي سبورت, اليوم الخميس 17 يوليو 2025 11:15 صباحاً

ايجي سبورت - في عمق المشهد الإقليمي المتغير، يتشكل مشروع جيوسياسي صامت يحمل اسمًا رمزيًا لكنه ذو دلالة استراتيجية خطيرة، هو "ممر داوود".

هذا الممر ليس مجرد طريق تجاري بديل، بل يمثل مخططًا أمريكيًا إسرائيليًا يستهدف تفكيك موازين القوة في الشرق الأوسط، وضرب الهيمنة الجغرافية لمصر، وإعادة تشكيل خطوط التجارة العالمية بعيدًا عن قناة السويس وطريق الحرير الصيني. لكن هذا الممر لا يُفهم بمعزل عن بُعده الديني التوراتي، حيث يتم الترويج له كجزء من استعادة جغرافيا "مملكة داوود" التاريخية، الممتدة من الفرات إلى النيل، والتي تتقاطع - وفق التفسيرات التلمودية الصهيونية - مع مسار النبي إبراهيم عليه السلام، الذي ارتحل من أور في العراق، إلى حران، ثم إلى فلسطين ومصر.

في العقل الاستراتيجي الغربي، وبالأخص الأمريكي الصهيوني، يتم إسقاط هذا التصور التوراتي القديم على واقع سياسي حديث، ويُدمج ضمن ما يُعرف بـ"مشروع الشرق الأوسط الكبير"، الذي أُطلق رسميًا بعد غزو العراق، لكنه وُلد قبلها بزمن طويل في مراكز التفكير الأمريكية.

المشروع يهدف إلى إعادة هندسة المنطقة، دينيًا وسياسيًا واقتصاديًا، على أسس جديدة، يكون فيها لإسرائيل المركز الروحي والاقتصادي، لا بوصفها دولة فقط، بل كـ"رمز توراتي" يجب أن تُعاد له الجغرافيا الموعودة.

ممر داوود، بهذا المفهوم، ليس فقط طريقًا يربط الخليج بميناء حيفا، بل هو بعث رمزي وجغرافي لفكرة الربط بين النيل والفرات، مرورًا بمحطات ارتبطت بمسار الأنبياء، وعلى رأسهم إبراهيم عليه السلام. من أور العراق، إلى دير الزور، إلى التنف، ثم الأردن، ففلسطين، يُعاد تشكيل هذا المسار على هيئة ممر بري اقتصادي، لكنه مغطى برمزية توراتية، يتم تسويقها بذكاء داخل دوائر صنع القرار في الغرب.

السويداء، التي تقع في قلب هذا المسار، ليست مجرد محافظة سورية تعاني من التهميش، بل تُعتبر جغرافيًا وعقائديًا من مفاتيح هذا المشروع. فهي تقع على الحافة الجنوبية لسوريا، وتُمثل نقطة التقاء بين العراق والأردن وفلسطين.

وما يحدث فيها اليوم، من توترات عرقية وطائفية وأحداث مستفزة للرموز الدينية والاجتماعية، يندرج ضمن خطة إعادة رسم هذا الممر، بإزالة العوائق السكانية والثقافية، وتفكيك المجتمعات المحلية التي قد تعرقل فتح الطريق.

القوة العسكرية الأمريكية لا تزال تحتل مناطق مفصلية على هذا الخط، كقاعدة التنف، والمناطق النفطية في دير الزور، وتستثمر في أدوات محلية من المليشيات والفصائل، لتحييد الدولة السورية عن مسار الممر.

إسرائيل من جهتها تروّج للممر كمشروع تكامل اقتصادي بين الخليج وأوروبا، عبر حيفا، ويُعاد تقديمها كهمزة وصل حضارية، بدلًا من مصر، التي ظلت لعقود مركزًا استراتيجيًا للتجارة بين الشرق والغرب.

في خلفية هذه التحركات، تقف قناة السويس كهدف غير مُعلن، فاختصار المسار الآسيوي نحو أوروبا عبر طريق بري يُسيطر عليه الغرب، يعني تهميش القناة، وتقويض نفوذ مصر، وتجفيف مورد اقتصادي وجيوسياسي شديد الأهمية.

وفي ظل صعود الصين وتمدّد طريق الحرير الذي يمر عبر الموانئ المصرية، يصبح ضرب قناة السويس هدفًا أمريكيًا صريحًا، وإن تم تغليفه بالمشروعات اللوجستية والتعاون الإقليمي.

مصر هنا ليست خارج المعادلة، بل في قلبها. فهي الطرف المقصود بالإزاحة الجغرافية من مركز المعادلة، والتقزيم السياسي ضمن مشروع شرق أوسطي جديد، يكون فيه العمق الديني التاريخي مُعاد تشكيله لصالح الرؤية الصهيونية.

النيل الذي كان رمزًا للحياة والتحضر، يُراد له أن يصبح مجرد هامش، في ظل تمجيد مسارات بديلة تنطلق من الفرات، على نمط "ممر داوود".

وإذا لم تتحرك مصر برؤية شاملة، تدمج فيها الجغرافيا بالتاريخ، والسياسة بالعقيدة، فإن مشروع ممر داوود لن يكون مجرد طريق، بل سيكون عنوانًا لنهاية مرحلة وبداية أخرى، تخرج فيها مصر من مركز الفعل إلى هامش المراقبة.

ما يجري في السويداء، وما يُرسم على خريطة العراق وسوريا، ليس سوى التمهيد لما بعد ذلك، فرض ممرات جديدة، وتبديل موازين، وإحياء ممالك وهمية، على أنقاض دولنا الحقيقية.

في هذه اللحظة الحرجة، يصبح الصمت نوعًا من الانسحاب، والتباطؤ في الفعل بابًا مفتوحًا للاختراق الجيواستراتيجي. مصر، بما تملكه من موقع ومكانة وتاريخ، قادرة على قلب الموازين، لكنها بحاجة إلى وعي استراتيجي يدرك أن التحدي اليوم لا يأتي فقط من حدودها، بل من خريطة تُرسم في عواصم أخرى، تحاول تحييدها وإزاحتها عن مركز اللعبة.

إن التعامل مع قناة السويس كمجرى مائي فقط هو خطأ قاتل، فالقناة تمثل شريان السيادة المصرية، ومعبرًا لحضورها الدولي، ومنصة للتحكم في مسارات التجارة العالمية.

والمطلوب اليوم ليس الاكتفاء برسوم العبور، بل الاستثمار في القناة كمشروع صناعي ولوجستي، يُضاف إليه بُعد تكنولوجي، واستثمار ذكي في سلاسل التوريد العالمية، كي تبقى مصر لاعبًا لا ممرًا فقط.

كما أن دعم وحدة الأراضي السورية، ورفض مسارات التقسيم والتفكيك، أصبح ضرورة وطنية للأمن القومي المصري، وليس فقط مسألة تضامن عربي. لأن سقوط شرق سوريا في يد المخطط الأمريكي الإسرائيلي، يعني تسليم مفاتيح الممر الجديد، وتمكين مشروع داوود من أن يصبح واقعًا مفروضًا.

الرهان ليس على القوة وحدها، بل على الرؤية، ورؤية الدولة المصرية يجب أن تستند إلى فهم أعمق لطبيعة ما يُحاك في الخفاء، وما يُصاغ من خرائط جديدة.

فالمعركة اليوم ليست بين جيوش على حدود، بل بين طرق ومعابر تُصمم لتُقصي دولًا وتُصعّد أخرى، والخطر الحقيقي ليس في من يسير على الطريق، بل في من يملكه، ومن يرسم نهايته.

اقرأ أيضاً
السلطات السورية تسحب قواتها بالكامل من محافظة السويداء

نتنياهو يوجه جيش الاحتلال بضرب أي معدات عسكرية تقترب من السويداء السورية

عاجل | انقطاع الكهرباء عن محافظة السويداء في سوريا وسط استمرار الاشتباكات (فيديو)

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق