ايجي سبورت - رغم أن بولندا تُعرف لدى كثير من السياح بمدنها الكبرى مثل وارسو وكراكوف، إلا أن هذا البلد الأوروبي الجميل يخفي في أرجائه كنوزًا سياحية تستحق الاستكشاف، لا تعج بالحشود، ولا تفرض على الزائر طوابير انتظار أو أسعارًا سياحية باهظة. الوجهات غير المزدحمة في بولندا تقدّم تجربة غنية بالتاريخ والطبيعة والثقافة، وتتيح للزائر أن يعيش لحظات هادئة وسط الجمال، حيث يسير في شوارع مغمورة بالتاريخ، أو يتنزه بين تلال خضراء دون أن يزاحمه أحد. هذا هو الجوهر الحقيقي للسياحة الهادئة، وهو ما تجسّده بولندا في عدد من مدنها وأقاليمها غير المكتشفة نسبيًا.

التنقل بين هذه المدن الصغيرة يمنح المسافر فرصة لرؤية وجه آخر لبولندا، بعيدًا عن الصخب، وأكثر قربًا من الحياة اليومية المحلية. سواء كنت من محبي العمارة، أو عاشقًا للطبيعة، أو تبحث عن أجواء أوروبية كلاسيكية بسعر معقول وهدوء لافت، فهذه الوجهات تقدم لك كل ما تحتاجه وأكثر.

تورون: مدينة القرميد الحمراء وعبق العصور الوسطى

تقع مدينة تورون في شمال بولندا على نهر فيستولا، وتُعرف بأنها مسقط رأس الفلكي الشهير نيكولاس كوبرنيكوس. وعلى الرغم من أنها مدينة تاريخية مسجلة في قائمة اليونسكو، إلا أنها غالبًا ما تُهمَل لصالح المدن الأكبر، مما يجعلها وجهة مثالية لعشاق المعمار القوطي والهدوء.

شوارع تورون المرصوفة بالحجر، وبيوتها القرميدية الحمراء، تمنح الزائر شعورًا بأنه يسير وسط كتاب مفتوح من التاريخ. كما تشتهر المدينة بحلويات الزنجبيل التقليدية، ويمكن للزوار زيارة متحف الزنجبيل والمشاركة في تجربة صنعها بأنفسهم. تتميز المدينة أيضًا بأجواء أدبية وثقافية راقية، وتحتوي على جامعات ومسارح ومتاحف تحافظ على روحها التعليمية والفنية الراقية.

بيدغوشتش: مدينة القنوات والنغم

مدينة بيدغوشتش (Bydgoszcz) هي وجهة لا يعرفها الكثيرون خارج بولندا، لكنها تستحق الزيارة بلا شك. تقع عند تقاطع نهرين، وتشتهر بقنواتها التي تمنحها طابعًا يشبه بعض مدن أوروبا الغربية، خاصة أمستردام. ويمكن استكشافها عبر جولات بالقوارب الصغيرة أو التنزه على الضفاف الخضراء.

تضم المدينة عددًا من المعالم الثقافية المهمة، من بينها دار الأوبرا وقاعة الموسيقى، وهي موطن للعديد من المهرجانات الموسيقية الدولية. كما أن وسطها التاريخي يضم مباني جميلة تعود إلى القرنين التاسع عشر والعشرين، بالإضافة إلى مطاعم ومقاهٍ راقية ولكن بأسعار معتدلة. إنها وجهة مناسبة لمن يبحث عن مزيج من الهدوء والثقافة والنشاط الخفيف.

زاموش: مدينة النهضة المصغرة

تقع زاموش (Zamość) في جنوب شرق بولندا، وتُعرف بأنها "لؤلؤة عصر النهضة"، نظرًا لتخطيطها العمراني المتقن الذي يعود إلى القرن السادس عشر. ما يميز زاموش أنها بنيت كمدينة مثالية وفقًا لتصور معماري متكامل، مما جعلها تُدرج ضمن قائمة مواقع التراث العالمي.

ساحة السوق الكبيرة هي قلب المدينة، محاطة بمباني ملونة ومزخرفة، وبلدية فخمة على الطراز الإيطالي. ورغم جمالها اللافت، لا تزال زاموش بعيدة عن التدفقات السياحية الكبيرة، مما يمنح الزائر فرصة للتجول بحرية، وتناول القهوة أو الطعام في أجواء هادئة دون ازدحام. وتحيط بها مساحات طبيعية خضراء، مما يجعلها مناسبة للرحلات القصيرة والاسترخاء.

بولندا بلد غني بالتفاصيل والتنوع، ولا يقتصر سحره على المدن الكبرى المشهورة. المدن الصغيرة والهادئة مثل تورون وبيدغوشتش وزاموش تقدم تجربة فريدة تمزج بين التاريخ العريق والهدوء العصري. إنها دعوة لاكتشاف عمق الشخصية البولندية في بيئات أقل ازدحامًا وأكثر دفئًا، حيث يمكن للزائر أن يكوّن ذكرياته الخاصة بهدوء، وأن يرى جمال أوروبا الشرقية من منظور مختلف، أكثر واقعية وصدقًا.