هل من استراتيجية أميركية في سوريا؟ - ايجي سبورت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل من استراتيجية أميركية في سوريا؟ - ايجي سبورت, اليوم الخميس 17 يوليو 2025 01:37 مساءً

ايجي سبورت -  

جان صالح *

 

لم تكن سوريا يوماً مهمة بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ أبدى موقفه أثناء سقوط نظام الأسد عبر منصة "تروث سوشال" قائلاً: "سوريا في حالة فوضى، لكنها ليست صديقتنا، لا ينبغي للولايات المتحدة أن تُشارك في هذا. هذه ليست معركتنا. دعها تُحسم. لا تتدخلوا!". وهذه الرؤية مخالفة للسياسة التقليدية التي كانت ترى دوماً أنه يتوجب أن تنتقل سوريا من حالة الاستبداد إلى دولة ديموقراطية عبر تشارك كافة المكونات السورية في صياغة دستور عادل يضمن حقوق الأقليات، ونظام حكم سياسي يراعي مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، إضافة إلى محاربة الإرهاب، وضمان عدم عودة "داعش".   

لكن موقف ترامب حيال سوريا تغير بعد زيارته للسعودية، ولقائه مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، وقراره بتخفيف العقوبات عن سوريا، ومن ثم إزالة "هيئة تحرير الشام" عن قائمة الإرهاب الأميركية ومنحهم "فرصة" لتحقيق الاستقرار والأمن داخل سوريا، بالرغم من وجود مطالب أميركية من الشرع، وضرورة تطبيق الشرعية الدولية والقانون الدولي لإزالة العقوبات. تلك المطالب تضمنت التطبيع مع إسرائيل للانضمام لاتفاقيات إبراهام، وطرد المقاتلين الأجانب، وطرد عناصر المقاومة الفلسطينية، والمساعدة في منع عودة تنظيم داعش الإرهابي، وتولي مسؤوليات معسكرات الاعتقال بشمال شرق سوريا، والسماح بتنفيذ عمليات أميركية لمكافحة الإرهاب على الأراضي السورية ضد أي شخص تعتبره واشنطن تهديداً للأمن القومي، وضمان حقوق الأقليات ومشاركتهم في السلطة.

ولم ينفذ الشرع من هذه المطالب سوى طرد المنظمات الفلسطينية، والدخول في مفاوضات لأجل التطبيع مع إسرائيل، وإعطاء إحداثيات عن جهاديين في سوريا ("حراس الدين"). لكنه تمسك بالجهاديين الأجانب وتوطينهم في سوريا ومنحهم الجنسية السورية، ووافقت إدارة ترامب على تلك الخطوة التي أثارت لغطاً داخل واشنطن.

 إدارة ترامب لا تملك أي استراتيجية واضحة في سوريا، فقط حل الأزمة السورية عبر لغة الصفقات، وتكليف السفير توم براك بتنفيذ تلك الصفقات، ورعاية سلطة الأمر الواقع في دمشق بقيادة الشرع في حكم كامل سوريا. والهدف من ذلك هو خلق حالة توازن جيوسياسي لمصالح إسرائيل، وتركيا، ومنع التصادم بينهما، وذلك بأن يقوم الشرع بالتطبيع مع إسرائيل وضمان عدم عودة إيران إلى سوريا. وفي ما يخص تركيا، تضغط إدارة ترامب على "قسد" والكرد لتقديم تنازلات والانضمام إلى وزارة الدفاع، والتخلي عن  الفيدرالية واللامركزية السياسية، وعن الادارة الذاتية، وربط مصير "قسد" مع حزب العمال الكردستاني في ظل مشروع زعيمه عبدالله أوجلان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان لحلّ الحزب وتسليم سلاحه، وهذا ما يرضي تركيا في ظل سلوك السفير براك السلبي تجاه "قسد" والكرد وقضية الأقليات التي تتعرض للإقصاء والقتل والمجازر، في ظل صمت أميركي مريب، وعملية فرض سلطة الأمر الواقع الإسلامية المتشددة دون احترام إرادة السوريين في تقرير مصيرهم. ترامب يغمض عينيه وأذنيه عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، مع تورط السلطة في مجازر العلويين المستمرة، وعمليات قتل الدروز، وتفجير كنيسة مار الياس.  

الشرع لديه قناعة أنه لا يستطيع حكم سوريا من دون رعاية أميركية - إسرائيلية مشتركة، ولهذا يلجأ للتطبيع مع إسرائيل، وربما التنازل عن الجولان وجبل الشيخ، وكذلك إدارة ترامب تعلم تماماً أن حكام دمشق الإسلاميين يحتاجون إلى واشنطن للحصول على الشرعية الدولية لحكم سوريا، ولهذا يجد ترامب أنها فرصة له ليحقق صفقة تاريخية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والشرع للتطبيع كخطوة قبل انضمام السعودية، ويحقق حلمه في أن يحصل على جائزة نوبل للسلام. 
وفي الجانب التركي نجح أردوغان في استثمار علاقته مع ترامب بعد إشارته بأن تركيا تملك كل مفاتيح سوريا. هذه فرصة له لينفذ أجندات الهيمنة على سوريا عبر السفير براك، بالتخلص من "قسد" والطموحات الكردية وإرغامهم ليكونوا أفراداً في جيش وزارة الدفاع، وسحب ورقة "داعش" وسجون التنظيم وعائلاتهم من "قسد" وتسليمها لدمشق. 
  سياسة ترامب مع تركيا وقطر والسعودية تفتقد الاستراتيجية، ولها تبعات خطيرة على سوريا والمنطقة ومصالح أميركا. فسيطرة الإسلاميين على سوريا ستجذب الجهاديين إليها لتحقيق أجنداتهم. رغبات الشرع وأردوغان في ظل سياسة ترامب المساعدة، تضع هذا كله على المحك، فإسرائيل تريد اتفاقية أمنية مع رفض نقاش الجولان وجبل الشيخ، وعدم الانسحاب من جنوب سوريا، لعدم ثقتها بالشرع، واعتباره جهادياً إرهابياً قد ينقلب عليها في المستقبل، وترفض أي هيمنة تركية على سوريا عبر إقامة قواعد عسكرية، لمعرفتها أن تركيا تتحكم بالشرع بنسبة كبيرة، وقد تستخدمه كورقة ضد إسرائيل وأمنها.
ما يجري في سوريا يعكس احتمالين: واشنطن تستخدم الإسلاميين في سوريا في مرحلة الانتقال إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد، وإعادة صياغة سايكس بيكو جديد، ولكن ببصمات أميركية - بريطانية - اسرائيلية، وخاصة بعد أحداث غزة. وبالتالي صناعة حلول استراتيجية تناسب المنطقة لحماية إسرائيل ومصالح أميركا وحلفائها. والثاني تحويل سوريا لكيانات فيدرالية متوازنة موالية للغرب، أو تقسيمها لدويلات إثنية انطلاقاً من الواقع السوري السياسي المنقسم جغرافياً وسياسياً مع تصاعد الخطاب الطائفي. وهذا يكون أولى خرائط الشرق الأوسط الجديد من سوريا نحو إيران وتركيا...

* كاتب كردي سوري مقيم في واشنطن

 
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق