نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
١٠٠ يوم ويوم على وفاة أبو عواد" - ايجي سبورت, اليوم الخميس 17 يوليو 2025 03:52 مساءً
ايجي سبورت -
د مي بكليزي
لم أكن أتخيل، وأنا أقرأ إهداء قبل عشرة أشهر فقط، أنني سأقف في مثل هذا اليوم على منصة التأبين، لأتحدث عن كتاب ختم بإهداء دافئ، كان آخر ما دونه الراحل محمود أبو عواد. لم يكن في الحسبان أن تتحول كلمة الإهداء إلى ذكرى، وأن يتحول حديثنا عن "ضوء النواسة" من احتفاءٍ فكري إلى شهادة في وداع صاحب الأثر والكلمة.
ما يجعلنا نلتفت بإكبار إلى هذا العمل، ليس فقط ما كُتب فيه، بل ما تركه صاحبه من أثر خالد. فالأثر الحقيقي للإنسان لا يقاس بطول عمره، بل بما يزرعه من قيم ومعرفة فكرٍ وأثرٍ مكتوب أو حيّ. فإما أن يكون الأثر سلوكًيا أخلاقيًا يتناقل في الذكرى والسير والمجالس، حتى ييذوي ويتلاشى بغياب من عايشوه، وإما أن يدون على الورق ويبقى بين دفتيّ كتاب، يشهد على فكر صاحبه، ويجمع بصماته، ويخلّد حكاية وجوده.
لقد قالوا قديمًا إن "ما يُكتب هو الذي يبقى"، وهذا ما تحقق في سيرة محمود أبو عواد لقد وضع خلاصة تجربته الثقافية و الأدبية، في هذا الكتاب الذي ليس مجرد عمل نقدي، بل وثيقة وجدانية و فكرية، تؤرخ لحالة ثقافية كاملة، وتُضيء مساحات خصبة في الإبداع الأردني.
قلت إن صديق الولد و أخوه الذي لم تلده أمه، عاشا معا على ثرى جنين الحبيبة. فكلاهما يرى الوطن الحبيب في عين الآخر، صحبة مكتوبة بدموع الشوق للقيا الوطن وببعضهما البعض.
ضوء النواسة:
عتبة المؤلَف لمؤلِف كان شمسًا ساطعة في عالم الثقافة والمشهد الأدبي في الأردن، تعدّى ذلك للإحاطة والاهتمام بكل كاتبٍ وشاعرٍ وناقدٍ خصّ المواهب البكر منها، وتعهّدها بالرعاية، لتتعدد البصمات بتعدد واضعيها، وتنشر عروقًا خضرا في شجرة الإبداع الخضلة.
ضوء خافت، كان قد أشعله أبو عواد، وهو يمثل دور الناقد الحاذق، تتبعت ما قيل عن هذا الكتاب منذ العام 2021، الذي وُصف فيه بأنه أعطى رأيا انطباعيا نقديا عن الأعمال الخمسيّن المسرودة في كتابه. إلا أنه و مع صحّة هذا القول نسبيا، أرى أنه قدم آراء نقدية حاذقة و ناضجة، تضع يدها على مفاصل مهمة، في الأعمال الأدبية التي توزعت بين شعر ونثر ورواية
هذا الكتاب يمثل رغبة الفقيد الصادقة وسعيه الحثيث على رعاية الأديب الأردني. فقد مزج أبو عواد بين معرفته الشخصية بالمبدِع، وعمله المبدَع، مزجًا منحه رأيًا عميقا وصلبا ومتماسكًا في كنه هذا العمل، فاستحالت شخصية الكاتب على عمله الإبداعي ليصبحا شخصًا واحدًا.
واللافت في هذا الكتاب أنه لم يكن محايدًا بالمعنى الأكاديمي البارد، بل مشبعًا بروح المحبة والاهتمام، فكان كل اسم من الأسماء الخمسين التي تناولها بمثابة وردة انتقاها بعناية، ووضعها في زهرية فنية .
هذه المزواجة جعلت من "ضوء النواسة" أكثر من كتاب نقدي، إنه تجربة وجدانية وفكرية متداخلة، يظهر فيها الناقد شاهدًا ومحبًا، لا ساردًا خارجيًا.
أما منهجيته، فقد جاءت محكمة وواضحة: إذ يبدأ كل فصل بذكر عنوان العمل الإبداعي، متبوعًا باسم المؤلف، ودار النشر، وسنة الطباعة. وصورة غلاف العمل ثم يعرضة لموقف شخصي ،أو انطباع مرتبط بالكاتب. كما أشار إلى جوانب من المعاني والرسائل التي تضمنها العمل، مستشهدا أحيانا بنصوص مختارة من المؤلف ليؤكد وجهة نظره،أو ليفتح بابا للتأمل النقدي.
ويختم أحيانا بتغريدة فيسبوكية للمؤلف كما لو أنه يدخل الكاتب، ليشهد على تأويله.
خمسون كاتبًا ومبدعًا، كانوا رفاقه خلال عزلة "كورونا"، التي أرهقت العالم، لكنه واجهها بالأدب، وجعل منها مساحة للقراءة والتأمل، فكانت هذه النصوص حصيلة عزلة خلاقّة تنفس فيها أبو عواد أدبا ونفخ في أعمال الآخرين من روحه ووعيه، لتولد من جديد تحت ضوء "نواسَتِه".
لقد اختار هؤلاء الكتّاب بعين المحب، وعقل الناقد، وقلب الصديق، فجاء الكتاب كأنه خريطة أدبية لمن يريد أن يتعرف على المشهد الثقافي الأردني، وكأن القارئ فيه يتجول بين حدائق نصوص متنوعة، ليقطف من كل بستان زهرة، مستندا إلى رأي نقدي موجز يختصر عليه الطريق في اختيار ما يقرأ. و يدلل الناقد إلى مداخل تفكيك العمل الفني بذكاء واقتدار. كتاب مثل "ضوء النواسة" يجب نقده باعتباره جزءًا من الذاكرة الثقافية.
خطابيًا ووجدانيًا لكنه لا يخلو من مسؤولية نقدية.
فرصة لإعادة قراءة المبدع الغائب بمنظار أكثر عدلا من التجاهل أو التضخيم.
أعمال أردنية ذات صبغة مشابهة
" نوافذ على أدبنا الأردني" – د. راشد عيسى
مقالات نقدية عن أدباء أردنيين
" أسماء في الضوؤ" - سليمان القوابعة
قراءات وشهادات في تجربة مبدعين أردنيين.
"تراتيل الأردنيين" - محمد المشايخ
مقالات وجدانية عن أدباء أردنيين، بأسلوب يجمع بين الذكرى والتقدير.
رحم الله أبا عواد، الذي غاب جسده، لكن بقي فكره ووجدانه بيننا،
من خلال كتاباته، وذكراه، وأثره الطيب في قلوب محبيه،
وها هو "ضوء النواسة"، ينبض بالحياة،
نُمسكه بين أيدينا، فنشعر أن صاحبه لم يغب بعد،
بل لا يزال يقرأ، ويكتب، ويضيء لنا الطريق.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : ١٠٠ يوم ويوم على وفاة أبو عواد" - ايجي سبورت, اليوم الخميس 17 يوليو 2025 03:52 مساءً
0 تعليق