تعرفات ترامب: إثراء لأميركا أم إفقار للعالم؟ - ايجي سبورت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تعرفات ترامب: إثراء لأميركا أم إفقار للعالم؟ - ايجي سبورت, اليوم الخميس 17 يوليو 2025 09:26 مساءً

ايجي سبورت -  

حميد الكفائي *

 

ينظر الرئيس دونالد ترامب للتعرفات التي يفرضها على شركاء أميركا التجاريين على أنها مشروع لإثراء الولايات المتحدة، وأن الرؤساء الأميركيين السابقين قد أهملوا هذا الكنز وسمحوا باستغلال الدول الأخرى لأميركا.

ولكن، هل هناك مستفيد من هذه التعرفات التي أحدثت إرباكاً اقتصادياً وسياسياً؟ وهل هي مشروع إثراء لأميركا أم إفقار لها وللعالم؟

يرى معظم الاقتصاديين أن المتضرر الأول من هذه التعرفات هو المستهلك الأميركي، ويليه في الضرر المنتِج الأميركي. المستهلك سيدفع ثمنا أعلى للبضائع التي كانت تأتيه من الصين وفيتنام والمكسيك والهند والبرازيل بأسعار ميسورة، الأمر الذي يقلص قدرته الشرائية ويدفعه لتقليص استهلاكه كي يوفر المال للحاجيات الضرورية.

أما المنتِج الذي يعتمد على المواد الأولية والوسطية الآتية من الصين والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا ودول أخرى، والتي يحصل عليها بأسعار تنافسية، فإنه سيدفع أكثر للحصول عليها، الأمر الذي يجعله أمام خيارين: إما أن يحوِّل الزيادة في الأسعار إلى المستهلك، وهذا يعني تقلص مبيعاته، بسبب ارتفاع الأسعار، أو يتحمل جزءاً من التكلفة، أي أنه سيخسر بعض أرباحه، ما يدفعه إلى تسريح العمال، أو تخفيض أجورهم، وتقليص الاستثمار في تطوير العمل.

الحكومة أيضاً سوف تخسر على الأمد البعيد، خصوصاً إذا ما ارتفع معدل البطالة كنتيجة للتعرفات، إذ سيحرمها ذلك من الضرائب، ويدفعها للإنفاق أكثر على الإعانات المقدمة للعاطلين. الأموال التي تجنيها الحكومة من التعرفات ستكون قليلة، بالمقارنة مع الخسائر التي تتكبدها بسببها. مستشار ترامب، بيتر نفارو، صاحب فكرة التعرفات، ومؤلف كتاب "الصين المُميتة"، الذي حذر فيه من "موت أميركا" على أيدي الصين، قدّر الأموال التي تجلبها التعرفات بـ 600 مليار دولار! لكن حساباته هذه مبنية على افتراضات غير دقيقة، لأنها تفترض أن حجم الواردات لن يتأثر بالتعرفات، وهذا غير ممكن، فعندما ترتفع الأسعار يتقلص الطلب. الرقم الواقعي لإيرادات التعرفات، حسب التقديرات المحايدة، لا يتجاوز 130 مليار دولار، والبعض يقدِّرها بحدود 80 مليار دولار.

وإذا ما عرَّفنا التعرفات بأنها ضرائب تفرضها الحكومات على المستهلكين، فإن الدول المستورِدة من أميركا، سوف تدفع أكثر لشراء البضائع الأميركية، وستضطر لاستيراد بضائع أميركية مرتفعة الثمن، مقارنة بنظيراتها من البلدان الأخرى، كما يشترط ترامب لتقليص العجز التجاري الأميركي، ما يعني أنها ستكون هي الأخرى أكثر فقراً من السابق بسبب ارتفاع تكاليف وارداتها.

والفقر يؤدي بالضرورة إلى تدني النمو الاقتصادي وتقليص الإنفاق على خدمات التعليم والصحة والبلديات والإسكان والبيئة، وإلى تقلص السياحة والتواصل بين المجتمعات، وإلى تقليص الإنفاق على البحوث العلمية.

كما تقود التعرفات والانعزال إلى تدهور العلاقات الدولية، وزيادة الإنفاق على التسلح، فالسلام الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية، قد حصل نتيجة للتفاهم والانفتاح وإقامة التحالفات الدولية، وتنظيم العلاقات التجارية، الذي أنتج "الاتفاقية العامة حول التعرفات والتجارة"، (GATT)، التي تحولت لاحقاً إلى منظمة التجارة العالمية (WTO)، التي وضعت ضوابط للتعرفات، واشترطت عدم التمييز بين الدول المنضوية تحت مظلتها.

أميركا تميزت بتقدمها على دول العالم في مجال البحوث العلمية، وتفوقها الاقتصادي جعل دول العالم تعتمد عليها وتستورد منها الأجهزة الدقيقة والصناعات المتطورة، وتصدر إليها البضائع الاستهلاكية والمواد الأولية والوسطية. وقد تميز الأميركيون بالإنفاق العالي نتيجة لثرائهم، لكن السياسات الحالية ستقودهم في الاتجاه المعاكس، بينما تدفع دول العالم المعتمدة على أميركا، إلى الاستثمار في البحوث العلمية، ما يُفقد الولايات المتحدة هذه الميزة التنافسية.  

تعرفات "أميركا الحالية" مخالفة لضوابط منظمة التجارة العالمية، التي سعت "أميركا السابقة" بقوة إلى تأسيسها ودعمها، وهي تتبع نُظُماً اقتصادية، برهنت التجارب أنها فاشلة، بل ضارة بالاقتصاد والتطور الذي يحدثه التنافس. فإن كانت التعرفات تهدف إلى تشجيع الإنتاج الوطني، فهذه سياسات حمائية مخالفة لمبادئ الاقتصاد الحر الذي تتبناه أميركا منذ تأسيسها، وحاربت بشراسة النظم الاقتصادية الأخرى، كالشيوعية والاشتراكية، من أجل ترسيخه.

الرئيس ترامب يعود بأميركا القهقرى، ويربك علاقاتها الدولية وتحالفاتها السابقة، بسبب اعتماده على وزراء يخشون الاختلاف معه، مثل وزير الخزانة سكوت بسنت، وهو خبير مالي محترم، ومستشارين غير أكفاء، مثل بيتر نفارو، الذي استشهد بمصادر وهمية في كتابه "الصين المميتة"، مثل "رون فارا"، وهو شخص وهمي، والآراء المنسوبة له في الكتاب هي في الحقيقة آراء نفارو نفسه، وقد اعترف بذلك.

السياسات الأميركية الحالية غير قابلة للاستمرار، لأنها مشروع إفقار لأميركا والعالم، ولا شك في أن الإدارات المقبلة سوف تعود بأميركا إلى وضعها السابق.

 

* كاتب وباحث عراقي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق