السياسات المناخية الغربية ليست نموذجاً يُحتذى به! - ايجي سبورت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السياسات المناخية الغربية ليست نموذجاً يُحتذى به! - ايجي سبورت, اليوم الجمعة 18 يوليو 2025 06:17 صباحاً

ايجي سبورت - في السنوات الأخيرة، أقلقت مسألة المناخ العديد من الحكومات الغربية ومعظم المنظمات الدولية، فكانت النتيجة صوغ سياسات مدمرة، قد تساعد قليلاً لكنها تقوض الرخاء المستقبلي المطلوب لمعالجة مشكلات أخرى. لحسن الحظ، يمكن الدول العربية تجنب تكرار هذا الخطأ.

التغيّر المناخي مشكلة من صنع الإنسان، لكن الناشطين والساسة غير المسؤولين بالغوا في تصويرها، ويصفونها اليوم زوراً بأنها تهديد وجودي ربما يُفني البشرية. يشوّه هذا التهويل كثيراً ما ورد في التقارير الأممية عن المناخ، ويرفضه أبرز اقتصاديي المناخ في العالم، بمن فيهم الحائز الوحيد على جائزة نوبل في هذا المجال. فالتكلفة العالمية لعدم اتخاذ مزيد من الإجراءات المناخية تُعادل انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2 إلى 3% بحلول نهاية القرن. إنها مشكلة فعلاً، لكنها ليست نهاية العالم.

رغم ذلك، دفعت القصص المُرعبة المتكررة بعض الحكومات الغربية إلى تبنّي سياسات مناخية باهظة التكلفة. فالمملكة المتحدة تجاوزت معظم دول العالم في سياساتها المناخية خلال العقدين الماضيين. ونتيجة لذلك، تضاعف سعر الكهرباء المُعدّل بحسب التضخم – والموزع بتوازن بين الأسر والصناعة – ثلاثة أضعاف بين عامَي 2003 و2023. وفي سياق مقارَن، حافظ سعر الكهرباء في الولايات المتحدة على ثباته نوعاً ما خلال الفترة نفسها.

في الوقت نفسه، تُدرك الدول الغنية فعلياً أنها تواجه تحديات مكلفة أخرى، بينها شيخوخة السكان التي تؤدي إلى ارتفاع نفقات التقاعد والرعاية الصحية، وتدهور حالة البنية التحتية، وتراجع مستوى التعليم، والحاجة إلى رفع سقف الإنفاق الدفاعي. رغم ذلك، التزم الاتحاد الأوروبي تحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول 2050، في خطة تكلّفه أكثر من 10% من ناتجه المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 3,3 تريليونات يورو سنوياً. وهذا يفوق إجمال الإنفاق الأساسي الحالي في جميع الدول الأعضاء الـ27 على الصحة والتعليم والأمن والمحاكم والسجون والدفاع والبيئة مجتمعة.

على الدول العربية ألا تكرر أخطاءً ارتكبتها الدول الغربية باندفاعها الأعمى نحو إقرار سياسات مناخية غير فاعلة. فسجلّها حافل بالإنجازات، وإمكاناتها هائلة، وتيواجه مجموعة معقّدة من التحديات. ومهمٌ أن تُحسِن تحقيق التوازن بين ما تواجهه من تحديات وما تمتلكه من فرص. فالتعامل المتّزن والمدروس مع تغيّر المناخ يعني التوسّع في استخدام الطاقة الشمسية والرياح في مناطق يكون فيها ذلك مُجدياً، مع الإدراك أن الحلّ الحقيقي والطويل الأمد للتغيّر المناخي يكمن في الابتكار.

في عام 1970، كانت المجاعة تُهدّد 35% من سكان العالم النامي، ولم يكمُن الحلّ حينها في جعل العالم بأسره يأكل كمية أقل لإعادة توزيع الطعام، إنما كان الحلّ في الابتكار، من خلال ثورة خضراء أنتجت زيادة كبيرة في المحاصيل الزراعية، وقدّمت أصنافاً محسّنة وأسمدة أشد فاعلية. وبالمثل، لن نحلّ مشكلة تغيّر المناخ بتقليد بريطانيا بأن نُصبح أفقر، نعاني من البرد، ونعيش بطاقة أقل. فالدول الصناعية الكبرى، المسؤولة عن الجزء الأكبر من الانبعاثات الكربونية، هي التي يجب أن ترفع وتيرة الابتكار في الطاقة المخفوضة الكربون. وحين تنجح هذه الدول في تطوير طاقة نظيفة أرخص من طاقة يولدها الوقود الأحفوري، سيتمكن الجميع حينها من التحول الى هذه الطاقة الخضراء.

التكيّف عنصر أساسي آخر في الاستجابة للتغيّر المناخي، وهذا أمر يعرفه المزارعون العرب جيداً. فهم يتأقلمون مع التغيّرات المناخية للحفاظ على محاصيلهم. وفي المدن، نعلم أن البُنى التحتية كالمساحات الخضراء والأسطح العاكسة والعناصر المائية تُساهم في خفض درجات الحرارة. ويمكن هذا التكيّف أن يُجنبنا جزءاً كبيراً من مشكلة المناخ، إذا اعتُمِد بذكاء وفاعلية.

أخيراً، يُعدّ التخفيف من وطأة الفقر جزءاً أساسياً من الاستجابة للاحترار المناخي. فتمكين الناس من الخروج من دائرة الفقر يقلّل من ضعفهم أمام الصدمات المناخية مثل موجات الحر أو الأعاصير. إلى ذلك، المجتمعات المزدهرة والأكثر ثراءً قادرة على تحمّل تكلفة حماية أفضل من تقلبات الطبيعة، وتحسين التغذية والرعاية الصحية والأمان الاجتماعي. ويمكن الدول الغنية أن تنفق أكثر على حماية البيئة، إضافة إلى الجوانب التنموية الأخرى التي تعود بالنفع على الإنسان والطبيعة معاً.

إن الذكاء في التعامل الذكي مع التغيّر المناخي يعني أيضاً أن الحكومات ستتمكن من تخصيص موارد أكبر لمعالجة تحديات أخرى لا تقل أهمية. 

يتمثل أحد الاستثمارات الضرورية في تعزيز صحة الأمهات والمواليد الجدد، بإقرار حزمة بسيطة من خدمات الطوارئ الأساسية الخاصة بالإنجاب، وتوسيع نطاق تنظيم الأسرة. عالمياً، يمكن هذا الاستثمار أن ينقذ حياة 166 ألف أم و1,2 مليون مولود سنوياً، ويحقق عائداً اجتماعياً كبيراً يُقدّر بنحو 87 جنيهاً استرلينياً من الفوائد في مقابل كل جنيه يُنفق.

ثمة استثمار رائع آخر، يتمثل في دعم البحث والتطوير الزراعيين لمساعدة المزارعين في لبنان على رفع كفاءتهم. فعلى المستوى العالمي، يمكن لاستثمارٌ متواضع قدره 5,5 مليارات دولار سنوياً أن يُحدث فرقاً هائلاً، إذ يساهم في تجنيب 133 مليون إنسان أزمة الجوع. وبحلول 2050، يؤدي هذا التمويل الإضافي إلى زيادة الإنتاج الزراعي 10%، وخفض أسعار الغذاء 16%، ورفع متوسط الدخل الفردي 4%. كما تُساهم الزراعة الأعلى كفاءة في خفض الانبعاثات الكربونية العالمية بأكثر من 1%. وكل جنيه يُستثمر في هذا المجال يُولّد عوائد اجتماعية تعادل 33 جنيهاً.

إجمالاً، إن منح أفضل 12 سياسة تنموية حول العالم الأولوية قادر على إنقاذ 4,2 ملايين شخص في كل عام، وإنتاج 1,1 تريليون دولار من الفوائد الاقتصادية، بتكلفة لا تزيد عن 35 مليار دولار سنوياً.

تتمتع الدول العربية بإمكانات هائلة تدفعها نحو المستقبل، إذا أحسنت اغتنام الفرصة للاستثمار بحكمة وتروٍ. عليها تجنب التركيز المنفرد على المناخ كما يفعل بعض الدول الغربية، والاستثمار بناءً على أسس اقتصادية دقيقة في مجالات يمكنه أن يُحدث فيها التأثير الأكبر والتقدم الأكبر.

* رئيس إجماع كوبنهاغن، وزميل زائر في معهد هوفر بجامعة ستانفورد، ومؤلف كتابي "الإنذار الكاذب" و"أفضل الأشياء أولاً"

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق