أوروبا في قبضة الاحتباس الحراري: خسائر واستراتيجيات لمواجهة المخاطر المستقبلية - ايجي سبورت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أوروبا في قبضة الاحتباس الحراري: خسائر واستراتيجيات لمواجهة المخاطر المستقبلية - ايجي سبورت, اليوم الجمعة 18 يوليو 2025 06:27 صباحاً

ايجي سبورت - تتحكّم موجات الحر الشديد بالطقس في أوروبا، والتي أضحت بحكم التغير المناخي ظاهرة شائعة بشكل متزايد، بل ستصبح في أغلب الأحيان أطول أمداً وأكثر فتكاً مستقبلاً، وهي حقيقة لا تدع أبحاثٌ ودراسات لا حصر لها مجالاً للشك فيها. فماذا عن التداعيات والتدابير والاستراتيجيات التي يُعدّ لها، تداركاً للأسوأ خلال العقود المقبلة؟

تكاليف وخسائر باهظة
في ضوء تقييمات الوكالة الأوروبية للبيئة بأن أوروبا تشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة أسرع بمرتين من بقية دول العالم، وعليها الاستعداد لمخاطر تغيّر المناخ، يقول الباحث الاقتصادي يان مولر لـ "النهار" إن الحاجة باتت ملحة للتكيّف مع درجات الحرارة المرتفعة في القارة العجوز مع التغير المناخيّ السريع، "والمطلوب الإنصات لتحذيرات الخبراء ومراكز الأبحاث، والعمل على مواجهة التداعيات على صحة المواطن وسلامته، والتبعات على أمن الطاقة والغذاء والنظم البيئية وموارد المياه والبنية التحتية والاقتصاد والاستقرار المالي، تفادياً للكوارث مع موجات الحر والجفاف والفيضانات وحرائق الغابات".

 

سحابة هواء دافئ فوق كابو دا روكا بالبرتغال في 29 يونيو 2025 (أ ف ب)

 

يشرح مولر أيضاً بأن قطاعات توريد مشتقات الطاقة وموادّ البناء، ونقل الرمول وغيرها من السلع الثقيلة، تتأثر سلباً بفعل انخفاض مستوى مياه نهر الراين، الذي يعبر سويسرا وألمانيا وفرنسا وهولندا، "ما يضطر الشركات إلى استخدام الشاحنات أو سفن النقل الصغيرة بدلاً من الكبيرة، فتتأخّر عمليات الإمداد وترتفع التكلفة".

علاوة على ذلك، يُهلِك ارتفاعُ الحرارة المحاصيلَ، ويضرب جودتها، ويؤثر في الإنتاج، ويساهم في زيادة الأسعار، ويقلص أرباح المزراعين، وتضطر فئات أخرى كمربّي الماشية إلى استهلاك مخزونات العلف في أوقات مبكرة من الموسم، لأن العديد من المراعي تصبح قاحلة، مما لا يسمح للأبقار مثلاً بالرعي الطبيعي، فضلاً عن أن الحرائق تلتهم مساحات شاسعة من الأراضي، مما يسبب خسارة الآلاف من الهكتارات التي تغطّيها الأشجار، التي تساهم في الدورة الاقتصادية بالاستفادة من الخشب في صناعة المفروشات والموادّ الأوليّة في البناء وسقوف القرميد وغيرها.

إلى ذلك، بيّنت التقارير أن الافراد والعديد من القطاعات الإنتاجية تتأثر بالتحوّل الحاصل، وتفاقم خطر استمرار الاحترار المناخي في الصيف، بعد أن لم يكن الاعتماد على مكيفات الهواء في أوروبا يتعدّى الـ 19% في 2022، بينما وصل في الولايات المتحدة إلى نحو الـ 90%. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يزداد الطلب على المكيّفات إلى ثلاثة أضعاف بحلول 2050. 

وأشارت البيانات إلى أن موجات الحرّ تتسبّب بطلب متزايد على الكهرباء، مما يشكل ضغطاً على المحوّلات والشبكات في أوروبا، وهذا يصعب تحقيق الأهداف المناخية. فالتبريد الكهربائي يستهلك نحو 10% من الطاقة، وينتج نحو 4% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري السنوية. وهناك تقديرات بأن يزداد الطلب على الطاقة لتبريد المباني في أوروبا بنسبة 30% مع الارتفاع التدريجي في موجات الحرّ، وستكون المدن الرئيسية في أوروبا أمام تحديات كبيرة، فضلاً عن تأثر ذوي الدخل المحدود نتيجة تحملهم فواتير الطاقة المتزايدة. وقد تضاعف الطلب في ألمانيا على الطاقة خلال ذروات ارتفاع الحرارة أكثر من خمسة أضعاف منذ 1979. 

تزايد الوفيات
وفي حين لم يعد السؤال المطروح إذا ما كانت القارة سشهد موجات حر، وقد أصبح حول عددها سنوياً ومدّة كلّ موجة، تفيد الأبحاث بأنه في خلال العقود الأخيرة، ارتفعت درجة حرارة القطب الشمالي بمعدل أعلى من المتوسط، وكان لذلك عواقب على النظام المناخي بأكمله في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، مع تقلص الفارق الحراري مع المناطق الاستوائية أكثر من ذي قبل.
ومع ارتفاع متوسط الاحترار العالمي بمقدار 3 درجات مئوية، بديهي أن تشهد مدن جنوبي أوروبا وشرقها أياماً إضافية بدرجات حرارة تتخطى الـ35 درجة سنوياً، يصل عددها إلى نحو 77 يوماً في السنة حتى 2100. وهذا كله يكبّد الدول الأوروبية إنفاقاً إضافياً على الفاتورة الصحية وعمليات الإنقاذ والإخلاء. 

في هذا الصدد، ذكر موقع "ديرستاندرد" عن باحثين أن أعداد الوفيات المرتبطة بالحر ستزداد إذا لم يتم الحد من تغير المناخ بتدابير صارمة، وأن الاحتباس الحراري الناجم عن حرق الوقود الأحفوري يسبب موجات حرّ أشد وأخطر، والنتيجة انتشار الأمراض المزمنة، وبالتالي ارتفاع نسبة الوفيات. وبينت كلية لندن للصحة والطب الاستوائي أن موجة الحر الأخيرة بين 30 حزيران/يونيو و3 تموز/يوليو الحالي تسببت بأكثر من 4500 حالة وفاة إضافية، والتوقعات بأن ترتفع معدلاتها مع الموجات المرتقبة بشكل خاص في إيطاليا وإسبانيا وكراوتيا وسلوفينيا ولوكسمبورغ. 

 

يواجهون الحر بالماء في أحد متنزهات موسكو (وكالات)

يواجهون الحر بالماء في أحد متنزهات موسكو (وكالات)

 

خطط وطنية لمواجهة الاحترار العالمي
حضّت المفوضية الأوروبية دول الاتحاد الأوروبي، وفي مقدّمها فرنسا، لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، واعتماد مسارات للحفاظ على المناخ والتنوع البيولوجي والحد من الغازات الدفيئة. وفي أثينا، تم التشجيع على استملاك الأراضي لإنشاء مساحات خضراء وتوعية السكان لحماية الطبيعة. وفي برشلونة، أنشئ مرصد للتنوع البيولوجي لرصد وحماية النظم البيئية المتنوعة. وفي لشبونة وميلانو وأوسلو، العمل جارٍ لاعتماد أنظمة إنذار مبكر في المناطق ذات الدخل المنخفض، حيث تكون المجتمعات هناك معرضة لخطر الفيضانات والجفاف بشكل كبير. والأهم هو العمل الأوروبي المشترك بتحالف الشراكات المتعددة المستويات والتزام العمل مع البلديات والسلطات الإقليمية والمحلية لوضع استراتيجيات مناخية لحماية النظم البيئية واستعادة الطبيعة الحضرية وتوفير إمدادت المياه، وكل ذلك من أجل حماية ملايين الأشخاص من هذه المخاطر المرتبطة بالمناخ. 

في ألمانيا، بينت التحقيقات أنه بفعل التغير المناخي، اختلف سلوك الدوائر الحكومية المعنية والإدارة المستدامة للغابات عن الماضي، للحفاظ على المياه الجوفية وآلاف الهكتارات من الغابات، وفق خطط مستقبلية للمئة عام المقبلة. ففي العديد من الولايات، تم الانتقال من الغابات الصنوبرية إلى الغابات المتساقطة للأوراق التي تتكيف مع الظروف الجديدة، وهناك اليوم ما يسمى الغابات المختلطة للحفاظ على الثروة الحرجية. من هذا المنطلق، يتم الاهتمام بزراعة أنواع معينة من الأشجار، مع التركيز بشكل أساسي على أشجار البلوط والزان والتنوب الساحلي أو الدوغلاس وحتى البتولا، لأنها تسمح بوصول مياه الأمطار إلى التربة، فالأحواض الجوفية من دون عوائق، بحكم أنها تفقد أوراقها.

تجدر الإشارة إلى أن المفوضية الأوروبية حددت خطوات أساسية لمعالجة مخاطر المناخ وتعزيز قدرة أوروبا على الصمود بتشجيع دول التكتل على مراعاة المخاطر ومراجعة خططها الوطنية للطاقة والمناخ، وتسريع وصول المبادرات المجتمعية إلى التمويل، وحث السلطات المحلية على توسيع نطاق التكيف مع المناخ، فضلاً عن إعطاء تطوير استراتيجية شاملة للاتحاد للمرونة المائية الأولوية، والمساهمة في بناء مجتمعات مزدهرة لضمان مستقبل أوروبا في مواجهة التهديدات المناخية المتصاعدة. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق