ماذا وراء "ترند" تشكيل المجلس الأعلى للثقافة في مصر؟ - ايجي سبورت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ماذا وراء "ترند" تشكيل المجلس الأعلى للثقافة في مصر؟ - ايجي سبورت, اليوم الجمعة 18 يوليو 2025 04:39 مساءً

ايجي سبورت - تحوّل قرار إداري لرئيس مجلس الوزراء المصري إلى "ترند" رغم أنه لا يتعلق بأوضاع اقتصادية مأزومة، بل بأمر ثقافيّ بالكاد يهمّ نخبة محدودة. فالأغلبية الساحقة من الشعب المصري لا تعرف ما هو المجلس الأعلى للثقافة، ولا دوره، ولا أسماء أعضائه، ولن تفرق معهم لو الحكومة أغلقت أبوابه.

من النادر أن يثير قرار إداري غير مؤثر في حياة الناس كل هذا الضجيج، ويدفع رئيس الحكومة د.مصطفى مدبولي إلى الدفاع بأن من وقع عليهم الاختيار هم "قامات" وأن "العمل الثقافي ليس بالسنّ"، خصوصاً أن بعض التعليقات سخرت من أن أعمار الأعضاء فوق الثمانين، وكأن الدولة لا تعترف بأيّ مثقف بالكاد تجاوز الستين، ومن أبرزهم د.مفيد شهاب (89 سنة)، د.عليّ الدين هلال (84 سنة)، والروائي يوسف القعيد (81 سنة)، والشاعر أحمد عبد المعطي حجازي (90 سنة).

لذا تندر البعض بكوميكس لهياكل عظمية، وشكّك في لياقتهم البدنية والذهنية، واتّهم الحكومة بأنّها تميل إلى أهل الثقة؛ لذلك لجأت إلى "أشباح" من عصر مبارك.
ليس ثمة مبرّر للتهكم على السنّ أو المرض، لكن يظل سؤال اللياقة الصحية والذهنية ضرورياً لأيّ عمل عام. فهل يقدر شخص ـ أياً يكن ـ وهو في التسعين أن يحضر ندوات واجتماعات ويرسم سياسيات ثقافية ويوزّع جوائز ويقيّم تجارب أجيال من سنّ أحفاده؟

لماذا نشأ المجلس؟
نشأ المجلس عام 1956 تحت مسمّى "رعاية الفنون والآداب" في عهد عبد الناصر، وجلّ مؤسسات الثقافة المصرية نشأت في عصره؛ وكان ذلك قبل إنشاء وزارة الثقافة المصرية نفسها، فالأغلب أنه تأثر بالتجربة السوفياتية الاشتراكية، وسعى لأن تكون هناك "مراكز قومية" تخطط وترسم وتراقب كل شيء وتوفر المعلومة اللازمة لصانع القرار، وفي الوقت نفسه كان هذا ضرورياً لمواجهة الحركة اليسارية المتنامية والأكثر فاعلية آنذاك ثقافياً. بعدها، تأسست وزارة الثقافة بمسمّى "وزارة الإرشاد القومي"، وكأن التسمية ردّ غير مباشر على "الإرشاد الديني" لجماعة الإخوان التي بدأت تتغول في الفضاء العام.
في عام 1980 تغيّر المسمّى إلى "المجلس الأعلى للثقافة"، وتكرر مصطلح الأعلى على مجالس أخرى كثيرة.
فلماذا الأعلى وليس القومي أو الوطني مثلًا؟

المجلس الأعلى للثقافة. (فايسبوك)

 

تعكس المفردة نزوعاً إلى السلطة والسيطرة المعبرة عن وعي النظام السياسي بذاته، مثلما عكست مفردة "رعاية" منظور ناصر الاشتراكي عن دولة ترعى مواطنيها وتوفر لهم التعليم والثقافة والخدمات الصحية مجاناً. ورغم أن مفهوم "الرعاية" اختفى من المسمى لكنه ظل مهيمناً على الديباجة والتعريف.
وذلك يعني أن التغيير من مفهوم "الرعاية" الناصرية إلى "الأعلى" في حقبة السادات ـ مبارك كان تجلياً لتحول سياسي واقتصادي عميق من التوجه الاشتراكي إلى خيار رأسمالي وتحالف مع أميركا، ولم تعد مفردة "رعاية" مستحبة مثلما لم تستمر مفردة "إرشاد" طويلًا.
كذلك تحولت تبعية المجلس من هيئة مستقلّة تحت إشراف مجلس الوزراء إلى قطاع ضمن قطاعات وزارة الثقافة؛ بالتالي تزامنت كلمة "أعلى" مع إضعاف استقلاليته النسبية.
فالمجلس عبر سبعين سنة كان معبراً عن وعي النظام السياسي وتصوره الثقافي لمصر، أكثر مما يعبر ويمثل الحركة الثقافية بكل تعقيداتها.
فتراجع مفهوم الرعاية اتّسق مع تراجع الاهتمام السياسي بالثقافة وخروجها تقريباً من رؤية النظام لذاته؛ فبعد أن كان عبد الناصر يحضر بنفسه حفلات توزيع جوائز الدولة، ويسلمها إلى قامات مثل طه حسين وأم كلثوم، أصبح الحفل بمستوى وزير الثقافة أو الأمين العام للمجلس.

هشاشة التمثيل
بالعودة إلى تشكيل المجلس في سنواته الأولى، فهو ضم قامات كبيرة ومخضرمة مثل طه حسين (كان في السابعة والستين لا في التسعين) إلى جانب كتّاب شباب دون الأربعين، مثل إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي، مما يعني أن التمثيل راعى مختلف الأجيال، ووازن بين أسماء مقرّبة من السلطة وأخرى فاعلة في الحركة الثقافية.
فالمسألة هنا لا تخصّ السنّ بحدّ ذاتها، وإنما هشاشة مستوى التمثيل، وكأن القرار يركز على أسماء مقربة من السلطة بحكم أن معظم الأعضاء كانوا وزراء أو على درجة وزير.
ولو اعتبرنا يوسف القعيد ممثلًا للروائيين الكبار فهو دائماً ما شغل مناصب ذات طابع سياسي وبرلماني، إضافة إلى عضوية ممتدة في لجان المجلس، مقارنة باستبعاد اسم آخر ينتمي إلى الجيل والعمر نفسه هو الروائي إبراهيم عبد المجيد.
كل هذا يوحي بحال من "الركود" عكس سنة التغيير، كأن صانع القرار لا يعرف شيئاً عن الأجيال التالية ممن تجاوزوا الخمسين والستين أو لا يثق بهم، ويفضّل مبدأ "الأقدمية" و"احترام الكبير"، أخذاً في الاعتبار أن عبد الناصر ـوهو شاب ـ عندما وضع الثقافة والتعليم في صلب مشروعه القومي، استعان كثيراً بشباب في الثلاثينات والأربعينات من أعمارهم.
ثمة من برّر الاختيار بأن هؤلاء أصحاب خبرات طويلة ـوهذا صحيح إلى حد كبيرـ في الشأن العام، ولا يوجد بين الأجيال التالية من ينافسهم. إذا أخذنا بتلك الفرضية فهذا يعيب "الكبار" لأنهم احتكروا الأداء الثقافي لأنفسهم، ولم يؤهّلوا من سوف يخلفهم؛ فلو أصبحت مصر عقيمة ثقافياً  وفق هذه الفرضية ـوهي ليست كذلك ـ فكيف أستعين بمن يتحمّل وزر ذلك كي يخطط لسياساتها الثقافية المستقبلية؟

إن جانباً مهماً في الترند مرتبط بصراع الأجيال، وغضب من كانوا شباباً وشاركوا في "ثورة يناير"، وهم الآن تجاوزوا الأربعين والخمسين، من شعورهم بالغبن وعدم التمثيل حتى في الثقافة.
ثمة جانب آخر خاص بدور المجلس نفسه، على صعيد رسم السياسات الثقافية وهي مهمته الأصيلة عبر لجانه المختلفة. فلا شك في أن المهمة تراجعت، وتكاد لا تكون هناك استراتجية واضحة تلبّي تحدّيات المستقبل كانتشار الذكاء الاصطناعي و"السوشيال ميديا" و"الهوية" والتسويق الثقافي الإلكتروني، بل يكاد يقتصر دور المجلس الأبرز على منح جوائز الدولة؛ فهل هؤلاء ـ أمدّ الله في أعمارهم ـ على صلة حقيقية ومباشرة بمبدعين ولدوا بعد العام 1960؟
نحن إزاء لحظة تاريخية تعيشها الثقافة المصرية، وتصنعها دور نشر خاصة ومهرجانات مستقلة ومبدعون شباب فاعلون في "السوشيال ميديا" مقابل "مجلس" يبدو عاجزاً عن اللحاق بهذا كله، لكنه يعكس تصورات وتحولات الوعي الرسمي وكيف يرى مصر ثقافياً.
وازداد الأمر تأزماً مع إبعاد الثقافة نسبياً لتتحول إلى روتين إداري، وهو ما يفسر الضجة التي صاحبت قضية إغلاق بعض قصور الثقافة، أو تشكيل مجلس أعلى للثقافة، كأننا أمام تركة ثقيلة مربكة من عبد الناصر إلى مبارك، ولا أحد يعلم ماذا يُفعل بها، بعدما سيطرت على الوعي والمجال العام أفكار داعشية مضادة لكل أشكال الفنون والآداب التي من المفترض أن ترعاها الدولة ويخطط لها المجلس الأعلى للثقافة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق