نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من بحر غزة ولبنان إلى اللاذقية: ثروة الغاز وإعادة رسم المنطقة - ايجي سبورت, اليوم السبت 19 يوليو 2025 10:03 صباحاً
ايجي سبورت -
إليسّا الهاشم
بعد هجوم 7 تشرين الأول / أكتوبر والتحولات الجيوسياسية العميقة التي أعقبته، تشهد منطقة شرق المتوسط إعادة ترتيب جذرية لموازين القوى. من غزة إلى اللاذقية، يطل الغاز محوراً استراتيجياً، حيث ساهمت الحرب في أوكرانيا وما نتج عنها من مخاطر فعلية بخصوص موارد الطاقة وتوفرها لاسيما الغاز، في تسريع هذا التحول وجعلت من شرق المتوسط مركزاً متجدداً لتنافس القوى الكبرى. تقود الولايات المتحدة هذا التحول، متحالفة مع إسرائيل ودول الخليج، ومساندة من أوروبا التي تلعب دوراً محورياً في إعادة تشكيل المنطقة.
في هذا السياق، أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدلاً بعد طرحه تصوراً غير تقليدي لمستقبل غزة، ضمن خطة اقتصادية لتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، مع هدف خفي، منع استغلال مواردها، خاصة الغاز، من قبل إيران أو أطراف مناوئة لواشنطن وتل أبيب.
في قلب الخطة يقع حقل Gaza Marine المكتشف عام 2000 من قبل "بريتيش غاز"، باحتياطي يقارب تريليون قدم مكعب، ما يكفي لتغطية حاجات القطاع لعشر سنوات، مع إمكانية تصدير الفائض إلى مصر. رغم ضآلة الحجم مقارنة باحتياطات أميركا، إلا أن القيمة الجيوسياسية للحقل كبيرة. تأخّر تطويره بعد سيطرة "حماس" عام 2007، وتراجع الاهتمام لاحقاً مع اكتشاف حقول إسرائيلية ضخمة. وفي عام 2023، منحت إسرائيل موافقة أولية لتطويره بمشاركة مصر والسلطة الفلسطينية، لكن "7 أكتوبر" جمد المشروع مجدداً.
أما لبنان، فيُعدّ "دولة نفطية مؤجلة"، رغم امتلاكه احتياطيات تقدَّر بـ25 تريليون قدم مكعب. تعطلت عمليات الاستكشاف فيه بسبب الانقسامات السياسية والضغوط الدولية على الرغم من ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل في تشرين الأول عام 2022، ما دفع شركة "توتال" إلى إعلان توقف التنقيب دون نشر نتائج.
وقد حذّر المبعوث الأميركي الخاص للرئيس ترامب توم برّاك، خلال زيارته الأخيرة لبيروت، من أنه سيتمّ إقصاء لبنان من الخريطة الإقليمية ومن الشرق الأوسط الجديد الذي في أولوياته الطاقة إذا استمر في تردده السياسي والاصلاحي، ما يعني حكماً خسارته فرص الاستفادة من الدعم الدولي لاستخراج غازه المدفون في مياه المتوسط.
من جهة أخرى، ومع سقوط نظام بشار الأسد في أواخر 2024، بدأت سوريا بإعادة تموضعها بقيادة الرئيس أحمد الشرع، بدعم خليجي – أميركي - تركي وأوروبي. وفي أيار / مايو 2025، رفعت واشنطن والاتحاد الأوروبي العقوبات عن دمشق، ما أفسح المجال أمام استثمارات ضخمة، خصوصاً في الطاقة والموانئ.
تشير المسوحات الجيولوجية إلى وجود احتياطيات بحرية سورية تُقدّر بين 8 و12 تريليون قدم مكعب، إلى جانب مخزون بري في البادية ومنطقة الفرات. لم تعد سوريا مجرّد ممر للغاز، بل مرشّحة لأن تصبح منتجاً إقليمياً، مع اهتمام تركي وأميركي وفرنسي بالتنقيب.
التحول في السلوك السوري لم يقتصر على الاقتصاد، ففي تموز / يوليو الجاري، عُقد لقاء مباشر في العاصمة الأذرية باكو بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين، ضمن حوار أمني - سياسي بإشراف تركي وأذري، تضمن بحث ترتيبات أمنية مشتركة. ويجري التحضير لقمة مرتقبة في البيت الأبيض في أيلول / سبتمبر المقبل تجمع الشرع ونتنياهو برعاية الرئيس ترامب، لبحث التعاون في ملفات الطاقة والأمن بشكل أساسي مع حديث متنامٍ عن إمكانية انضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام.
أما إسرائيل، فقد تحولت من مستورد إلى مصدر رئيسي للغاز، بفضل حقلي ليفياثان وتمار، وبدعم أميركي استراتيجي. سهّل هذا الدعم اندماج إسرائيل في المنتدى الإقليمي وتصدير الغاز إلى مصر والأردن، وربما لاحقاً أوروبا المنهمكة بالبحث عن بدائل للغاز الروسي مع استمرار انعدام الرؤية لما ستؤول إليه الحرب الروسية الأوكرانية. الولايات المتحدة تقدّم نفسها ليس فقط كمصدر مباشر عبر الغاز المسال (LNG)، بل كوسيط لبناء بنية تحتية بديلة في شرق المتوسط. هنا قد تدخل إسرائيل، قبرص، ولبنان كلاعبين محتملين في شبكة تقويض النفوذ الروسي، فكل أنبوب في المتوسط، هو مسمار في نعش السيطرة الغازية لموسكو.
بعد اتفاقيات أبراهام، دخلت دول الخليج في المعادلة كقوة وازنة وقيادية، والتحولات التي تشهدها المنطقة اليوم ترجمة لرؤية أميركية خليجية مشتركة تُعزّز الأمن الإقليمي بعد الانتهاء من الحقبة الإيرانية ومفاعيلها. سوريا التحقت بقطار التغيير رغم التحديات التي تواجهها، فهل يخرج لبنان واليمن والعراق من تحت عباءة نظام طهران المترنّح أم يختارون وحدة المسار والموت البطيء؟
0 تعليق