مصطفى الشيمي يكتب: أمينة التي يعرفها الجميع – نبض مصر - ايجي سبورت

رياضة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مصطفى الشيمي يكتب: أمينة التي يعرفها الجميع – نبض مصر - ايجي سبورت, اليوم الأحد 13 يوليو 2025 05:27 مساءً

ايجي سبورت - نعرض لكم زوار موقع نبض مصر أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مصطفى الشيمي يكتب: أمينة التي يعرفها الجميع 2025-07-13 17:18:00

في مدينة الشروق، تلك المدينة التي تنام وتستيقظ على نفس النسيم، حيث البيوت متباعدة قليلًا، كأن كل بيت يخجل أن يزعج جاره . الشوارع هنا تتّصف بالكرم حتى في صمتها، تشعر وكأن المدينة خُلقت لتكون بيتًا طويل الأمد للطمأنينة.

في هذا المكان الذي يعرف المارّين واحدًا واحدًا، تعيش فتاة تُدعى “أمينة”، من ذوي الهمم… لكنّ همّتها كانت أوسع من الأيام، وأصدق من لغةٍ كاملة. 

أمينة، ليست مجرد فتاة. بل دعاء يمشي بين الناس. قلبٌ لم تفسده الأيام، ولم يكسره ضيق، ولم يلوثه غضب.

لم تكن كغيرها من الناس. لا لأن عقلها يسير في طريقه الخاص، ولا لأن خطوتها بطيئة. بل لأنها كانت تمشي وفيها من النقاء ما يُربك العيون. منذ أكثر من خمس سنوات، لم يُرَ لها أم . تعيش مع والدها. رجل وقور، هادئ. يُخفي حنانه في صوته الأجش، كأن الحنية فيه تختبئ بين حروفه دون أن تُقال. يُناديها دائما ، بنبرة لا تُخطئها الأذن، كما لو كان يُذكّر العالم كلّه بها:

ــ “يااا أميناه… ما تمشيش بعيد، يا بنتي.” 

تمشي أمينة والشوارع مُلك يدها. تتنقّل في كل مكان وكأن كل شيء يخصّها فلا تجد من يقول لها  “لا”، ولا جرؤ أحد أن يُنقص من فرحتها شيئًا. تتعامل مع الدكاكين والمحالّ كأنها بيتها. وأصحابها… أهلها. وهم فعلًا كانوا كذلك. عائلة، وملاذا، وسترا لا يُنكر. فتدخل الفرن البلدي، تأخذ ما تريد من الخبز الدافئ. تمرّ بعدها على “جميل الفكهاني”، تختار تفاحة أو ثمرة طماطم. تشير بيدها نحو كيس شيبسي عند “عم علي”، فيناولها ما شاءت، دون سؤال… ودون ثمن. وكأن الجميع اتفق أنها لا تُحاسَب، وأن تأخذ ما لا يُعطى لغيرها. وأنها بركة الحيّ. 

في كل صلاة، كانت تمسك يد والدها. تمشي بجواره في سكينة. تقف إلى جانبه في المسجد، رأسها مائل قليلًا، وعيناها مغلقتان.. كأنها تُصلي بقلبها فقط. كان الناس إذا رأوها، سلّموا عليها، وقبّلوا يدها. بعضهم يمازحها: “ادعي لنا يا ستّ أمينة!”

فتضحك، وتُغلق عينيها لحظة، ثم ترفع كفها، وتهمس: “آمين…”

تدعو لهم دعوة لا تحتاج لغة. كأنها تمسح بأطراف يدها تعب الدنيا. وكأنهم وجدوا فيها بركةً لا توجد في شيخ، ولا وليّ. 

في يومٍ غير عادي، خُدِش النقاء كما يُخدش المعدن النفيس. فارتجف الصدى في قلبها.  أمينة تسير في طريقها المعتاد، تحمل في يدها قطعة خبز، وثمارًا اختارتها بنفسها. وفجأة، باغتها صوتٌ غريب… بتنمُّر . غريب عن المكان ،  غريب عن روح المدينة. قال لها كلمة قصيرة، لكنها قاسية. كأنها سكين. توقفت أمينة. لم تردّ. لم تبكِ. لكن عينيها تبدّل فيهما شيء، كأن الضوء انطفأ للحظة. بعد دقائق، دخلت صيدلية الدكتورة “حنان”. لم تلقِ السلام. لم تبتسم كعادتها.

أزاحت بعض العلب من مكانها. أسقطت ما طالته يداها. ثم نظرت إلى الأرض… وخرجت في صمت.

مشَت وحدها. لا تُمسك شيئًا في يدها لأول مرة. ولا تُقلّد صوت والدها، كما اعتادت . الجميع  شعر بشيء ناقص في نبرتها. كأن قلبًا صغيرًا ترك مكانه مفتوحًا على حزن لا يُقال. 

في اليوم التالي، عادت إلى الصيدلية. لم تلمس شيئًا هذه المرة.

لكنها تقدّمت نحو الدكتورة حنان. أمسكت يدها بكلتا يديها. ثم وضعت جبهتها في كفّها وسكتت. لم تقل شيئًا ، لكن نظرتها كانت مليئة باعتذار لا يحتاج إلى شرح. وعندما همهمت بكلمات غير مكتملة، فهم الجميع أنها جاءت تعتذر بطريقتها. تلك الكلمة الصغيرة كانت عالمها.

وكان هناك سؤالٌ أبدي، يسأله لها كل من يحبّها:

ــ “نفسِك في إيه يا أمينة؟”

فتقف أمام مرآة صالون “بيبو”، تنظر إلى وجهها، وتبتسم. ثم تهمس بصوتها المميّز:

ــ “فَرحْ.”

كأنها لا تريد من الدنيا شيئًا، إلا أن ترى الناس يضحكون. أن ترى عروسًا. وزغاريد. وقلوبًا بيضاء… ترقص بلا خوف.

هى تقصد الفرح كما هو صافيًا، نقيًّا، عابرًا. لحظة تنسدل فيها الحياة على القلب، كستارة من نور. حين تقف بملابسها البسيطة التي لا تعرف الزينة ،  يبدو كأنها تلبس الفرح نفسه. وكأن الفرح خيّط لها ثوبًا غير مرئي، يمتد على كتفيها حتى أطراف روحها.  تُصفّق بحماس لا يوافق الإيقاع. يدٌ تسبق الأخرى، وصوتٌ يعلو في لحظة سكون. ومع ذلك، كانت تضحك لنفسها. كأنها تسمع موسيقى خاصة، لا يسمعها سواها. و في كل زفّة  تجلس على كرسي بلا اسم في آخر الصف. عيناها لا تفارقان العروس. تضع يديها في حجرها. وتُحدّق في العروس طويلًا. كأنها ترى نفسها. أو ما لم تستطع أن تكون . تبتسم و تُتابع فستانها، وحركتها، ويدها في يد عريسها. وكأنها تُباركهما بصمت.

تلك كانت أمينة. ليست فقط من أصحاب الهمم، بل من أصحاب النور. وحين تغيب، تظلّ حاضرة في حكايات الناس. في صباحات الدكاكين. وفي صوتٍ لا يغيب ويُردّد خلفها دائمًا:

ــ “يااا أميناه… ما تمشيش بعيد، يا بنتي.”

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : مصطفى الشيمي يكتب: أمينة التي يعرفها الجميع – نبض مصر - ايجي سبورت, اليوم الأحد 13 يوليو 2025 05:27 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق