نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بعد قرارات النيابة العامة وتشكيل لجان فنية متخصصة.. رحلة بحث عن أدلة حريق «سنترال رمسيس» - ايجي سبورت, اليوم الاثنين 14 يوليو 2025 09:28 مساءً
ايجي سبورت - - كيف ستفحص لجان التحقيق ملابسات الحريق من الناحية الفنية والتقنية؟
- ما المشكلات التى تواجه الجهات المعنية في ظل قوة النيران التى تتجاوز 500 درجة مئوية؟
- ما دلالة قرارات النيابة العامة بشأن تشكيل اللجان الفنية وجمع الأدلة المادية والرقمية؟
- لماذا قررت النيابة العامة مصادرة أجهزة المراقبة ووحدات التخزين داخل السنترال؟
- كيف ستُقيِّم اللجنة الخماسية - الهندسية مدى توافق الأنظمة التقنية مع المعايير المعتمدة؟
- ما الجوانب الإنشائية التي ستركّز عليها اللجنة الثلاثية خلال فحص المباني المتضررة؟
- كيف ستراجع لجنة الحماية المدنية كفاءة أنظمة الإطفاء والإنذار وخضوعها لصيانة دورية؟
- ما الإجراءات الفنية التي يتبعها خبراء الأدلة الجنائية لتحليل آثار الحريق وتحديد نقطة الاشتعال؟
كيف وصلت النيران إلى قلب سنترال رمسيس الرئيسي، أحد أهم المرافق الرقمية في مصر، بمنطقة الأزبكية وسط القاهرة؟ هل الواقعة مجرد حادث عرضي، أم أن هناك أبعادًا أخرى وراء الحريق؟ ما معنى قرارات جهات التحقيق، لاسيما النيابة العامة، حتى الآن، حول جمع الأدلة وتحليل المعطيات؟ إلى أيّ حدّ يمكن اعتبار ما حدث إنذارًا يتطلب نظرة جذرية في علاقة التكنولوجيا بالبنية التحتية، لقطع الطريق على مخاطر يمكن أن تكلف الدولة الكثير في ظل حرب المعلومات؟
تحاول «الأسبوع» تحليل مضمون القرارات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية حتى الآن، وما تتضمنه من دلالات إجرائية وفنية، خاصة بعدما اتخذت النيابة العامة خطوات مهمة تتعلق بجمع الأدلة الرقمية والمادية، وتقييم البنية التحتية التقنية والإنشائية، ومدى ضمان الامتثال لمعايير السلامة، بداية من المعاينة الأولية من الخارج للسنترال (١١ طابقًا)، ومبنى الملحق المخصص للاتصالات الدولية (ستة طوابق)، ثم معاينة مباني السنترال من الداخل بعد انتهاء عمليات الإطفاء والتبريد، وتطبيق الإجراءات التقنية والفنية لمعرفة أسباب ما حدث، وتحديد المسئوليات (إداريًا، وفنيًا).
وفي السياق نفسه، أمرت النيابة بالتحفظ على أجهزة المراقبة ووحدات التخزين الخاصة بها، وندبت لجنة هندسية لمعاينة البنية التحتية لأنظمة الشبكات والخوادم والمولدات والبطاريات وسائر التجهيزات الفنية داخل المبنى، ومدى مطابقتها للأكواد والمعايير الفنية المعمول بها، فضلًا عن مدى توافر إجراءات السلامة والصحة المهنية داخل مباني السنترال، ومدى التزام إدارة الموقع باشتراطات الحماية المدنية والتجهيزات المضادة للحريق، لكن الأهم: ما الذي تخفيه التفاصيل الفنية لقرارات النيابة العامة؟ وكيف سيُفكّك المحققون «شفرة» الحريق؟
لماذا التحفظ على أجهزة المراقبة والتخزين؟
قرار التحفظ على أجهزة المراقبة الآلية ووحدات التخزين الخاصة بها داخل مبنى سنترال رمسيس، خطوة مهمة من النيابة العامة لتأمين الأدلة الرقمية ذات الصلة بالحادث، ويشمل هذا القرار كاميرات المراقبة المنتشرة في أرجاء المبنى، والأقراص الصلبة والخوادم التي تحتفظ بتسجيلات الفيديو، بما يضمن الحفاظ على المواد التي قد تحتوي على معلومات حيوية حول تسلسل الأحداث قبل اندلاع الحريق وأثناءه.
تُعدّ أنظمة المراقبة الآلية من أهم الوسائل التي تُستخدم في إعادة تركيب المشهد الزمني للوقائع، لاسيما في الحالات التي يُحتمل فيها وجود إخلالات بشرية أو فنية أو شبهات جنائية، ومن خلال تحليل محتوى التسجيلات، يمكن للجهات المختصة رصد اللحظات الأولى للحريق، ورؤية ما إذا كانت هناك إشارات تدل على تماس كهربائي، أو نشاط غير مألوف، أو خلل واضح في منظومة الإنذار والسلامة.
لكن الحريق نفسه قد يتسبب في تحديات فنية، إذ من المحتمل أن تكون بعض هذه الأجهزة قد تضررت أو احترقت، خصوصًا تلك الموجودة في الطابق السابع، حيث بدأ الحريق. وفي مثل هذه الحالات، يصبح استرجاع البيانات عملية دقيقة ومعقدة، تتطلب تدخل خبراء في الأدلة الرقمية، قادرين على استخدام أدوات وتقنيات متخصصة لاستعادة ما يمكن إنقاذه من تسجيلات، دون المساس بسلامتها أو صلاحيتها كأدلة قضائية.
وخلال عمليات الفحص، يتم نقل الأجهزة إلى معامل متخصصة تابعة للإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية، حيث يتم فحصها بواسطة برمجيات احترافية تتيح استعراض وتحليل البيانات دون التلاعب بها، مع ضمان استمرار سلسلة الحفظ للأدلة، وهو شرط أساسي لاعتمادها أمام القضاء. كما يُمنع خلال هذه المرحلة أي تدخل خارجي أو محاولة للوصول إلى محتوى التسجيلات، بما يضمن أن تبقى البيانات بمنأى عن أي محاولة للتعديل أو الإتلاف أو التضليل.
يمثل هذا القرار جانبًا محوريًا في مسار التحقيق، ويؤكد أن النيابة العامة تتعامل مع الواقعة بمنهجية دقيقة تستند إلى أدوات العصر الرقمي. فالتحقيق الحديث لم يعد يكتفي بالشهادات أو المعاينات الميدانية، بل يتكئ على الأدلة التقنية التي ترصد الواقع كما هو، وتوثّق اللحظة دون تحريف، وهو ما يعكس إدراكًا متقدمًا لأهمية الأدلة الرقمية في القضايا الكبرى، خاصة تلك التي تمس البنية التحتية الحيوية وتهدد سلامة الأرواح.
كيف تفكر اللجنة الهندسية الخماسية؟
يستهدف قرار النيابة العامة بندب لجنة خماسية من أساتذة كلية الهندسة لمعاينة البنية التحتية التقنية والإنشائية داخل مبنى سنترال رمسيس وملحقاته، الفحص الشامل والدقيق لجميع أنظمة الخوادم، الشبكات، المولدات الكهربائية، البطاريات وسائر المنظومات التقنية الموجودة بالمبنى، لتقييم مدى التزام البنية التحتية بالمعايير الفنية والهندسية المعتمدة، وتحديد ما إذا كانت هناك أخطاء تسببت في وقوع الحريق أو فاقمت من آثاره، خاصة أن سنترال رمسيس يُعد مركزًا حيويًا للاتصالات في مصر، إذ يحتوي على خوادم ترتبط بالكابلات الأرضية والبحرية، وتدير جزءًا كبيرًا من خدمات الإنترنت والاتصالات الأرضية.
ومن ثم، فإن أي خلل في هذه المنظومة قد تكون له انعكاسات كارثية على البنية التحتية الرقمية للدولة. وبالتالي فاللجنة الخماسية مكلفة بتقييم الوضع الفني للخوادم من حيث مدى التزامها بحدود التحميل الكهربائي الآمن، وكفاءة أنظمة التبريد الداخلية، فضلًا عن فحص تركيب أنظمة الشبكات ومدى توافقها مع المعايير العالمية، كما سيتطرق تقييم اللجنة إلى أداء المولدات الكهربائية والبطاريات الاحتياطية، وفحص سجل صيانتها، وتحديد مدى أهليتها لتحمل الأحمال الطارئة، لاسيما في بيئة تشغيل عالية الحساسية مثل تلك التي يعمل فيها السنترال.
ويتطلب التقييم الفني خبرات متقاطعة بين تخصصات هندسة الكهرباء، وهندسة الاتصالات، وهندسة الحاسبات، بالنظر إلى الطبيعة المتداخلة للأنظمة العاملة في مبنى السنترال الضخم، وقد تواجه اللجنة تحديات تكمن في أن الحريق قد يكون ألحق دمارًا جزئيًا أو كليًا ببعض الأنظمة، مما يستوجب على اللجنة الاستناد إلى وثائق التصميم، والسجلات التشغيلية، والصور الحرارية السابقة إن وجدت، إلى جانب الفحص الموقعي للأجزاء المتبقية، وفحص الحادث من زاوية علمية هندسية دقيقة تضع الجهات المعنية على تفاصيل ما حدث في المبنى الذي يُعد جزءًا حيويًا من البنية الرقمية.
التقرير النهائي للجنة سيحمل طابعًا حاسمًا في مسار التحقيق، إذ سيوثق مدى التزام المنشأة بالأكواد والمعايير المعترف بها للتمديدات الكهربائية وكفاءة الطاقة في المباني، وغيرها من المعايير الدولية، وسيتم من خلاله تحديد ما إذا كانت هناك عيوب تصميمية أو إهمال في إجراءات الصيانة ساهم في اندلاع الحريق أو تسارع انتشاره. كما أن النتائج التي ستتوصل إليها اللجنة قد تترتب عليها مسؤوليات قانونية واضحة، سواء على المستوى الفني أو الإداري، خصوصًا إذا ثبت وجود تقصير من جانب جهات التشغيل أو الصيانة مثل الشركة المصرية للاتصالات.
ما دور اللجنة الثلاثية لمعاينة المبني؟
أمر النيابة العامة بتشكيل لجنة ثلاثية تضم ممثلين عن المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء، وكلية الهندسة بجامعة القاهرة، والإدارة الهندسية بمحافظة القاهرة، لمعاينة المباني المتضررة داخل مجمع سنترال رمسيس وتقييم مدى سلامتها الإنشائية، يستهدف الوقوف على واقع مبنى السنترال قبل الحريق الهائل الذي اندلع في الطابق السابع من المبنى الرئيسي وامتد إلى طوابق أخرى، والتحقق من مخاوف تتعلق بقدرة المبنى على مواصلة أداء وظيفته دون تهديد إنشائي.
مبنى سنترال رمسيس، الذي يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1927، يُعد من المنشآت الحيوية، ليس فقط لدوره المركزي في إدارة الاتصالات، بل أيضًا لرمزيته التاريخية والمعمارية، ويتكون المجمع من مبنى رئيسي مكوَّن من أحد عشر طابقًا، وآخر ملحق بستة طوابق، وقد أدى الحريق، بسبب شدته وامتداده، إلى احتمال تعرض أجزاء من الهيكل الخرساني أو الفولاذي لأضرار حرارية جسيمة، حيث إن درجات الحرارة التي قد تتجاوز 500 درجة مئوية في مواقع الاشتعال، قادرة على إضعاف مقاومة المواد الإنشائية، والتسبب في تشققات خفية أو تغيرات هيكلية قد لا تكون مرئية بالعين المجردة.
كما أن الأدخنة والمواد الكيميائية الناتجة عن احتراق المعدات الإلكترونية قد تؤدي إلى تآكل إضافي، في حين أن الأحمال الزائدة نتيجة تثبيت أنظمة ثقيلة خارج التصميم الأصلي قد تكون سببًا في أضرار تراكمية لم تؤخذ بعين الاعتبار عند إنشاء المبنى. ومن الناحية الإجرائية، ستقوم اللجنة الثلاثية بإجراء معاينة ميدانية تعتمد على تقنيات مثل الفحص البصري، واختبارات صلابة الخرسانة باستخدام المطرقة الارتدادية أو الموجات فوق الصوتية، وتحليل التصميمات الأصلية للمبنى إن وُجدت.
الهدف من تشكيل اللجنة الثلاثية هو الوقوف على مدى الضرر الهيكلي الذي خلفه الحريق، وتمييزه عن التدهور الطبيعي المرتبط بعمر المبنى الذي يقترب من قرن من الزمان، وإذا تبين أن هناك تهديدًا حقيقيًا للسلامة العامة، فقد تقترح اللجنة إجراءات تتراوح بين الترميم والتعزيز الإنشائي، أو حتى الإخلاء والهدم الجزئي أو الكلي في الحالات القصوى. وهذه الجهود لا تستهدف تحديد صلاحية المبنى أو عدمها، بل ترسيخ الوقاية المؤسسية، وتوفير أساس قانوني لحماية الأرواح قبل استئناف أي نشاط داخل مبنى قد يشكّل خطرًا إنشائيًا كامنًا في حال لم يخضع للتقييم العلمي الدقيق.
وبالتالي، سيمثل التقرير النهائي الذي ستقدمه اللجنة أداة حاسمة لاتخاذ قرارات تتعلق بإعادة تشغيل المبنى واستئناف خدمات الاتصالات، أو الإبقاء على التوقف لحين تنفيذ معالجات إنشائية جذرية. كما أن نتائجه ستُعرض على جهات التحقيق لتحديد المسؤوليات، في حال ثبت وجود إهمال في الصيانة الدورية، أو تقاعس في تطبيق المعايير الإنشائية الملزمة، أو استخدامات مخالفة لطبيعة التصميم، وقد يؤدي ذلك إلى تحميل المسؤولية الإدارية أو المدنية، وربما الجنائية، للجهات المالكة أو المشغّلة للمبنى، بما في ذلك جهات حكومية أو شركات قطاع عام مسؤولة عن إدارة السنترال الحيوي.
كيف تقيم الحماية المدنية اشتراطات الوقاية؟
وضمن سلسلة الإجراءات الهادفة إلى كشف الأسباب المحتملة لاندلاع الحريق، وتحديد ما إذا كان التقصير في أنظمة السلامة قد ساهم في تفاقم الكارثة أو في تعذر السيطرة عليها في وقت مبكر، كان أمر النيابة العامة بتشكيل لجنة من قطاع الحماية المدنية بوزارة الداخلية لتقييم مدى توافر اشتراطات الوقاية من مخاطر الحريق داخل مبنى سنترال رمسيس، والتحقق مما إذا كانت هذه الاشتراطات قد خضعت للصيانة الدورية وفقًا للمعايير الفنية المعتمدة.
تشمل اشتراطات الوقاية من الحريق مجموعة من الأنظمة الأساسية التي يفترض وجودها وتشغيلها داخل أي منشأة حيوية، لاسيما مبانٍ تتضمن تجهيزات تقنية كثيفة مثل الخوادم وشبكات الاتصالات، ومن بين هذه الاشتراطات أنظمة الإطفاء التلقائي، كالرذاذات المائية، طفايات الحريق اليدوية، خراطيم المياه الممتدة في الممرات، إضافة إلى أنظمة الإنذار المبكر، كأجهزة كشف الدخان والحرارة المرتبطة بوحدات الإنذار الصوتي والضوئي. كما تُعد مخارج الطوارئ، من حيث عددها وتوزيعها وإضاءتها وإمكانية الوصول إليها، أحد المعايير الحاسمة في تقليل الخسائر البشرية في حالات الطوارئ.
ستعمل اللجنة على فحص مدى توافر هذه المنظومات داخل المبنى، والتحقق من صلاحيتها لحظة اندلاع الحريق، والبحث في سجلات الصيانة للتأكد من إجراء الفحوصات الدورية اللازمة وفقًا للمعايير العالمية الخاصة بصيانة أنظمة الإطفاء، فضلًا عن مراجعة خطط الإخلاء ومستوى تدريب الموظفين على التعامل مع الطوارئ. كما ستبحث اللجنة فيما إذا كانت هذه الأنظمة قد عملت بالفعل أثناء الحريق، أم أنها كانت معطلة أو غير فعالة، ما قد يفسّر سرعة انتشار النيران، ومدى الالتزام بالإجراءات الوقائية المطلوبة لحماية الأرواح والممتلكات من الحريق.
لكن هذا التقييم قد يواجه إشكالات فنية، أهمها احتمال دمار الأدلة المادية مثل أجهزة الإنذار أو أنابيب الإطفاء بسبب شدة الحريق، مما يعقّد مهمة اللجنة في تحديد ما إذا كانت هذه الأنظمة تعمل أصلًا قبل وقوع الكارثة أم لا. كما أن المبنى الذي يعود تاريخ إنشائه إلى ما يقرب من مئة عام قد لا يكون مزودًا بأنظمة حديثة للوقاية من الحريق، مما يفرض على اللجنة مقاربة مزدوجة تجمع بين المعايير التاريخية التي كان معمولًا بها وقت البناء، والأكواد الحديثة التي يُفترض أن تكون قد طُبّقت في أي أعمال تطوير أو صيانة لاحقة.
ويمثل تقرير لجنة الحماية المدنية عنصرًا محوريًا في مسار التحقيق، لأنه سيوضح ما إذا كانت هناك مشكلات في اشتراطات السلامة قد أدت للحادث أو تعذر احتوائه، وفي حال تبين أن المبنى لم يكن مجهزًا بأنظمة كافية للوقاية من الحريق، أو أن هذه الأنظمة لم تتم صيانتها دوريًا، فقد تترتب مسؤوليات قانونية مباشرة على الجهات المسؤولة عن إدارة المبنى، وفي مقدمتها الشركة المصرية للاتصالات، بوصفها الجهة المالكة أو المشغّلة للمرفق. ويعكس هذا القرار حرص النيابة العامة على فحص جميع الجوانب الوقائية للحادث، وعدم الاكتفاء بتحقيقات ما بعد الاشتعال، بل التوسع نحو تقييم منظومة السلامة ككل، باعتبارها خط الدفاع الأول الذي كان من شأنه الحد من حجم الخسائر البشرية والمادية، أو حتى الحيلولة دون وقوعه أصلًا.
كيف سيتعامل خبراء الأدلة الجنائية؟
ندب خبراء من الإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية لرفع وفحص الآثار المادية الناجمة عن الحريق الذي اندلع في مبنى سنترال رمسيس (وفق قرار النيابة العامة)، خطوة تستهدف تحديد الأسباب المباشرة للحادث استنادًا إلى تحليل علمي دقيق، ويُنتظر من هذا الإجراء أن يقدّم رواية تقنية مدعومة بالأدلة حول كيفية اندلاع الحريق، ونقطة بدايته، والعوامل التي ساهمت في توسعه، سواء كانت ناجمة عن تماس كهربائي، أو سوء تخزين، أو مواد قابلة للاشتعال، أو حتى شبهة جنائية متعمدة.
يتضمن عمل خبراء الأدلة الجنائية تحليل البقايا المحترقة بدقة، مثل قطع الأجهزة الكهربائية المتفحمة، أو الأسلاك المعطوبة، أو آثار السوائل القابلة للاشتعال، باستخدام تقنيات متقدمة مثل التحليل الطيفي أو الكروماتوغرافيا الغازية، التي تتيح الكشف عن مركّبات دقيقة قد تشير إلى طبيعة المواد المستخدمة أو الظروف المحيطة بالحريق. كما يتم استخدام هذه الأدلة لإعادة بناء تسلسل الأحداث بدقة زمنية ومكانية. وتُستخدم هذه الأساليب في الكشف عن بقايا المواد القابلة للاشتعال، أو المسرّعات، وتساعد في فهم طبيعة المواد التي تفاعلت مع الحريق، وتُستخدم هذه التقنيات في التحقيقات الفنية لتحديد الأسباب الفعلية لاشتعال النيران أو انتشارها، وفهم مسار انتشار النيران، وتحديد ما إذا كانت هناك عوامل خارجية أم لا.
ويمثل هذا النوع من التحقيق تحديًا تقنيًا، خاصة في الحالات التي يُحتمل فيها أن الحريق دمّر قسمًا كبيرًا من الأدلة المادية، أو أفضى إلى انهيارات جزئية غيّرت من طبيعة الموقع. لذا، يُطبَّق أثناء رفع الآثار بروتوكول صارم يضمن الحفاظ على الأدلة من التلوث أو التلف، ويؤمّن تسلسل الحيازة القانونية اللازمة لضمان اعتماد النتائج أمام الجهات القضائية، حيث تلتزم جهة التحليل بإجراءات موثقة، وهي شرط أساسي لاعتماد نتائج التحليل كأدلة قانونية يمكن الاستناد إليها أمام القضاء.
التقرير الفني الذي سيصدر عن فريق الأدلة الجنائية سيكون من أهم ملفات التحقيق، حيث سيساعد على حسم الجدل حول ما إذا كان الحريق عرضيًا ناتجًا عن خلل فني أو إهمال، أم متعمدًا بفعل بشري، وبالتالي تحديد اتجاه التحقيق بين المسؤولية الإدارية أو الجنائية. وستنعكس نتائج هذا التقرير مباشرة على مسار الإجراءات التالية، سواء من حيث ملاحقة المسؤولين، أو من حيث توجيه خطط إعادة الترميم والاستئناف الآمن للخدمات. وبعيدًا عن الإطار الإجرائي الضيق، تكشف هذه الخطوة عن بُعد أعمق في تعامل النيابة العامة مع الحادث، حيث لم يعد يُنظر إلى الكارثة بوصفها واقعة منعزلة، بل باعتبارها اختراقًا خطيرًا للبنية التحتية الرقمية والإنشائية.
وكشف الحريق عن هشاشة واضحة في أنظمة الاتصالات المركزية، بعدما تسبب في شلل واسع النطاق أصاب الإنترنت، والخطوط الأرضية، ومعاملات مالية وتجارية في قطاعات متعددة. وبالتالي، تأتي هذه التحقيقات في سياق أوسع يهدف إلى تقييم منظومة السلامة في المباني الحيوية، ووضع معايير أكثر صرامة في تصميمها وصيانتها، لضمان عدم تكرار مثل هذه الكوارث في المستقبل. كما أن الأبعاد القانونية قد تكون ثقيلة الوطأة إذا أثبتت التحقيقات وجود تقصير إداري أو فني، بما يمهّد الطريق لمساءلة جهات مسؤولة، سواء من داخل المؤسسة المالكة للمبنى، أو من بين الهيئات المشرفة على البنية التحتية فيه.
ولا يقتصر أثر هذه التحقيقات على الجانب الجنائي أو الإداري، بل يمتد إلى البُعد الاجتماعي والاقتصادي، إذ إن إعادة تشغيل سنترال رمسيس واستئناف خدماته يظل مرهونًا بنتائج اللجان الفنية، وتقارير الخبراء، ومدى صلاحية المبنى للعمل من جديد.
ومن ثم، فإن ما يجري اليوم لا يعالج مجرد حادث عرضي، بل يفتح بابًا لمراجعة شاملة تمسّ صميم الأمن الرقمي والمؤسسي في مصر.
0 تعليق