أذربيجان وإيران... نيران الجغرافيا وظلال إسرائيل - ايجي سبورت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أذربيجان وإيران... نيران الجغرافيا وظلال إسرائيل - ايجي سبورت, اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025 04:08 صباحاً

ايجي سبورت - د. باسل الحاج جاسم*

في زوايا القوقاز المتشابكة والمعقدة، تتكشف ملامح توتر متصاعد بين إيران وأذربيجان، لم يعد بالإمكان اعتباره مجرد توتر عابر أو سجال سياسي روتيني، فقد اتهمت طهران جارتها الشمالية بأنها سمحت لإسرائيل باستخدام أراضيها لشن هجمات على أهداف داخل العمق الإيراني، في إشارة إلى تقارير ترافقت مع جولة التصعيد الأخيرة التي استمرت 12 يوماً. ورغم نفي باكو المتكرر، إلا أن طبيعة العلاقة بين الطرفين لم تعد مستقرة، بل تتجه نحو مزيد من الانكشاف والحدة.

والمنطقة التي لطالما شكلت حلقة وصل جغرافية بين آسيا الوسطى والشرق الأوسط، باتت اليوم مسرحاً لاستقطابات وتحالفات تقرأ بحذر في طهران وتدار ببراغماتية في باكو.

وهناك عوامل عديدة تؤثر في علاقات طهران - باكو، منها تل أبيب وواشنطن، وكذلك الجالية الأرمينية داخل إيران نفسها، مع وجود عوامل متبادلة، بينها قلق إيراني من النزعات الانفصالية للمناطق الأذرية، كما تخشى أذربيجان من التأثير الديني الإيراني في مجتمعها العلماني.

وقد لا يبدو أن باستطاعة إيران وأرمينيا أن تكونا شريكتين. ومع ذلك، يشير الواقع إلى أن علاقات طهران بيريفان تعد أقوى من التي تربطها بدول إسلامية كثيرة مجاورة. والواضح أن الضرورة تسير بالبلدين في اتجاه بعضهما بعضاً، فإيران في حاجة إلى أرمينيا لتوفير معبر بديل للنقل إلى روسيا وأوروبا، وأرمينيا بدورها تواجه انسداداً متواصلاً في طرق التجارة بسبب عدم وجود تواصل مع أذربيجان وتركيا.

وصحيح أن إيران تمتعت بعلاقات قوية مع أرمينيا، لكنها، في المقابل، لم تتمكن من جعل أذربيجان ضمن حلقة نفوذها الإقليمي، على الرغم من خلفيتها الدينية المشتركة معها، كما تربطهما علاقات تاريخية وثقافية عميقة، فالقومية الأذرية في إيران تعد القومية الثانية في التركيبة الاجتماعية بعد القومية الفارسية.

ليست المرة الأولى التي تتقاطع فيها مصالح الجارين تقاطعاً سلبياً، لكن ما يجعل اللحظة الحالية أكثر تعقيداً هو تداخل البعد الأمني بالإقليمي، وربما حتى العقائدي. وفي نظر صانعي القرار الإيراني، لم تعد أذربيجان مجرد جار صغير شمالي، بل لاعب يتحرك في فلك تحالفات تقلق طهران وتضعها في زاوية استراتيجية حرجة.

الاتهامات الإيرانية الموجهة لباكو، بشأن تسهيل نشاطات إسرائيلية قرب حدودها، تعكس قلقاً متنامياً من فقدان السيطرة على عمقها الشمالي. إذ لطالما نظرت طهران بقلق إلى أي تموضع إسرائيلي على تخومها، وتعتبر أذربيجان حلقة قد تستغل لاختراق أمنها الداخلي، خاصة في ظل الحديث المتكرر عن استخدام الطائرات المسيرة والاستثمارات الأمنية الإسرائيلية في البلاد.

غير أن القراءة الأذرية للمشهد مختلفة تماماً. فبالنسبة لباكو، علاقتها بإسرائيل – كما بتركيا – تندرج في إطار تنويع الشراكات الاستراتيجية بعد عقود من العزلة والتحديات الجيوسياسية، لا سيما بعد انتصارها العسكري في ناغورني كاراباخ عام 2020. وهي ترى أن من حقها السيادي البحث عن مصادر دعم عسكري وتقني أينما توفرت، دون أن يعد ذلك عداءً لجار أو استهدافاً له.

والواضح أن النقطة الأشد حساسية، من منظور إيران، ليست فقط الوجود الإسرائيلي، بل ما تعتبره تمدداً تركياً مقلقاً كذلك. فالعلاقة بين أنقرة وباكو تجاوزت حدود الدعم السياسي إلى شراكة دفاعية حقيقية، وتجلت في تدريبات عسكرية متكررة ورسائل رمزية لا تغيب عن الرادار الإيراني. وفي بلد يعاني من تنوع إثني داخلي، خصوصاً مع وجود ملايين الأذريين داخل إيران، يصبح التفاعل مع هذا المشهد مصدراً دائماً للهواجس.

أحداث متفرقة، كان أبرزها حادثة السفارة الأذربيجانية في طهران مطلع 2023، زادت من حدة القطيعة بين الطرفين، وكشفت عن هشاشة القنوات الديبلوماسية. وبينما فسرت إيران ما جرى كعمل فردي معزول، قرأت باكو الحادثة كتهديد أمني لا يمكن التغاضي عنه.

التعقيد الإضافي يتمثل في أن هذه العلاقة المتوترة تتقاطع مع ملفات كبرى، تتجاوز ثنائية باكو وطهران، لتشمل موسكو، وأنقرة، وتل أبيب، بل حتى الغرب. فالقوقاز، بما تمثله من أهمية لطرق الطاقة والنفوذ العسكري، تتحول تدريجياً إلى ساحة تنافس إقليمي محتدم، يعيد تعريف التحالفات التقليدية ويضع الجميع أمام واقع جديد.

ما يبقي الوضع تحت السيطرة، حتى الآن، هو إدراك كل طرف لحدود المغامرة. إيران، رغم خطابها الصارم، تدرك أن التصعيد مع أذربيجان قد يفتح أبواباً غير محسوبة على الصعيد الإقليمي والدولي. وباكو، رغم ثقتها بتحالفاتها، تعي أن استعداء طهران ليس خطوة مجانية، خاصة في ظل هشاشة الاستقرار في جنوب القوقاز.

يبقى القول، ليست أذربيجان مجبرة على أن تساير الجغرافيا على حساب خياراتها السياسية، وليست إيران ملزمة بتقبل كل ما يجري على حدودها كأمر واقع. لكن الأكيد أن الصدام المفتوح بينهما سيكون خاسراً لكليهما، وسيترك تداعيات تتجاوز القوقاز بكثير. وبين الهواجس المشروعة والتحالفات المعلنة، يبقى الرهان على بناء توازن دقيق يجنب المنطقة منزلقات إضافية، ويمنح شعوبها فرصة الالتفات إلى التنمية بدلاً من التوجس.

*باحث ومستشار سياسي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق