مغتربو لبنان إن حكوا - ايجي سبورت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مغتربو لبنان إن حكوا - ايجي سبورت, اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025 04:08 صباحاً

ايجي سبورت - ميشيلا حداد وحسين عبد الحسين*

في قلب كل مغترب لبناني وطنٌ يسكنه الحنين والألم معاً. لبنان أرضٌ نحملها في جيوبنا، صورها القديمة تتآكل حوافها، ونحمل معها عبق الأرز، وصوت أمواج بحر بيروت. في كل مرّة نغادر، ألف غصّة وغصّة، ويتكرر السؤال: لماذا يُصرّ لبنان على أن يكون الاستثناء الذي يحطم قلوب مغتربيه؟ هذا المقال صوت منا، نحن المغتربين، لنقول: اتركونا خارج ألاعيبكم السياسية، ودعونا نحلم بلبنان يستحق عودتنا، أو على الأقل زياراتنا.

رئيس حكومة لبنان نواف سلام، في زيارته الأخيرة لدولة الإمارات العربية المتحدة، شدّد أمام الجالية اللبنانية على أهمية استعادة ثقة المغترب اللبناني، وضرورة أن يعيد المغترب استثماراته إلى لبنان، لأن البلد يستحيل أن ينهض دون مشاركة لبنانيي الخارج، اذ تقدَّر تحويلات المغتربين المالية بسبعة مليارات دولار سنوياً.

ولبنان هذا لا يعامل مغتربيه كمواطنين، بل كمصادر تمويل، على الرغم من أن المغتربين تكبّدوا خسارات فادحة في مدّخراتهم التي تبخّرت مع الانهيار الاقتصادي، الذي أشرف عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري نفسه وغالب من يزالون في مواقعهم نفسها في الحكم اليوم.

بعد أسابيع قليلة على زيارة سلام للإمارات ولقاءاته مع المغتربين، رفض بري إدراج مقترح تعديل المادة 122 على جدول أعمال الجلسة البرلمانية، في ما بدا محاولة للحد من تأثير أصوات المغتربين، غالباً لأن أصواتهم أثّرت في نتائج اثني عشر من المقاعد المئة والثمانية والعشرين بشكل عاكس هوى بري وحلفائه. ومن المتوقع أن ترتفع نسبة مشاركة المغتربين في الانتخابات المقبلة من 140 ألفاً إلى 250 ألفاً، إذا فُتحت أبواب التصويت أمامهم، لكن بري يرغب في الحد من صوت الاغتراب بحصره في ستة مقاعد فحسب.

إن القيود الجديدة، التي يدعمها بعض السلطة تعزز شعور المغترب بالإقصاء، ما يعني أن إصلاح القانون الانتخابي للسماح للمغتربين بالتصويت في دوائرهم الأصلية، مع تسهيل التسجيل والاقتراع، لن يعزز الديموقراطية فحسب، بل سيؤكد أن المغترب ليس مجرد محفظة مالية. المغترب مواطن يستحق أن يكون صوته مسموعاً. مثل هذه الخطوة قد تشجع المغتربين على الاستثمار بثقة أكبر، لأن من يشارك في صنع القرار سيثق بمستقبل الوطن.

عموماً، لا تستهوي السياسة في لبنان المغتربين. أيّ مغترب يفتح نشرات أخبار المحطات اللبنانية ويشاهدها، عليه انتظار مرور الدقائق الأولى، أي المقدمة، لأنها على طراز الزجل السياسي الذي لا يفهمه إلا من يتابع الثرثرة السياسية اليومية في لبنان. حتى نحن، من نكتب هذه السطور، نعمل في مضمار الأخبار والسياسة ولا نفهم طلاسم السياسة الداخلية اللبنانية، التي نراها مضيعة للوقت لا تغني ولا تسمن، ولا تعني أيّاً من البشر باستثناء اللبنانيين المقيمين في الوطن.

والمغتربون قلّما يهتمّون بأسماء الرؤساء والنوّاب والوزراء، إذ ينصبّ جلّ اهتمامهم على حلمهم بإعادة تشكيل دولة لبنان بطريقة تشبه باقي دول العالم، أو على الأقل دول الاغتراب التي يعيشون فيها. ونكاد نجزم بأن كل لبناني مغترب يقارن يومياً الدولة التي يعيش فيها بلبنان، ويتساءل ما الذي حصل حتى خرج لبنان من الزمن وصار دولة لا تشبه باقي الدول بشيء.

أكثير على المغترب أن يحلم بوطن يشبه ما نراه في دول الاغتراب؟ شوارع نظيفة، كهرباء لا تنقطع، حكومة تحترم المواطنين وتؤمن احتياجاتهم الأساسية؟ طبعاً، هنا لا نقارن لبنان بدول متفوقة مثل التي نعيش فيها، أي الإمارات أو الولايات المتحدة. مقارنتنا هي بين دول ذات أعداد سكانية مشابهة للبنان، مع موارد طبيعية محدودة ومثلها المداخيل، وكذلك الآفاق المحدودة للمستقبل.

تونس، مثلاً، أو الأردن، دول ذات مؤسسات مقبولة نسبياً وخدمات لا بأس بها: الكهرباء لا تنقطع، البنية التحتية بوضع جيد، إشارات السير الضوئية تعمل وشرطة الأمن والمرور لديها سلطة وهيبة تسهم بدورها في تنظيم الحيّز العام. المغترب التونسي أو الأردني يمكنه تحويل الأموال إلى أهله عبر الشبكة المصرفية الدولية، وبدون البحث عن دكاكين تبييض الأموال للتحويل عبرها. للجواز التونسي والأردني احترام أكبر بكثير من نظيره اللبناني، ويمكن لمواطني الدولتين الحصول على تأشيرات دخول لزيارة أحبائهم في الاغتراب والإبقاء على صلة القرابة. أما لبنان، فدولة تائهة في الأوهام، يعيش مواطنوها على الأمل والوعود والشعارات المنمّقة والمرمّزة، التي لا يفهمها سوى اللبنانيين المقيمين، بينما الواقع يؤكد استحالة تحوّلها إلى برامج وسياسات واضحة، مع جداول زمنية معلومة. أقصى ما وصل إليه لبنان الجديد حتى الآن، في نسخته الأكثر حداثة، هو تزفيت وتنظيف طريق المطار، ولصق بعض شعارات الترحيب.

ومن الفشل اللبناني كابوس البيروقراطية العابرة للقارات، وهو ما يجعل المغتربين يتمنون لو أن دولة لبنان حدّثت من سجلّات النفوس والقيد لديها، بدلاً من الطريقة البدائية التي تجبر المغتربين على زيارة لبنان والذهاب الى قراهم وأماكن قيدهم، للحصول على وثائق بسيطة، مثل الهوية وجواز السفر.

عند معظم الدول الأخرى، يحصل المغتربون على أوراقهم الثبوتية في سفاراتهم وبدون زيارة دولهم بالضرورة. أما المغترب اللبناني، فمضطر للذهاب شخصياً إلى الضيعة، وتقبيل شوارب المختار، والبحث عن طوابع مالية صار الحصول عليها أصعب من عملية السفر نفسها.

وقبل كل زيارة للبنان، على المغترب تحليل المشهد الإقليمي، ودراسة نيّات دول الجوار، قبل أن يحجز تذكرة السفر، ويصبح النقاش الأكثر تداولاً في عموم المعمورة، هو غالباً: ”نازلين على لبنان؟ قطعتوا؟ قولكم بيصير في حرب؟ قولكم نقطع؟ نحن قطعنا، الله يستر، يمكن لازم نأجّل“.

في المحصلة، لا ثقة حتى الآن للمغتربين بدولة لبنان، ولا ثقة لديهم بأنهم سيصلون يوماً إلى حلم تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية باتخاذ لبنان قرارات سيادية تسمح له بالعيش في سلام. ويدرك المغتربون أن دولة لبنان مغلوب على أمرها، وأقصى ما يمكنها هو القيام بتحليل المشهد الإقليمي، مثلهم تماماً، بدون أن تكون لديها أي قدرة على التأثير فيه أو إبقاء لبنان خارجه.

هذه بعض من هموم الاغتراب التي لا تصل الى النقاش اللبناني الذي يخوضه المقيمون باسم المغتربين، وبدونهم.

ما بين هذه السطور وجع لا تداويه المسافات ولا تسكّنه الذكريات. لبنان الذي يسكننا أكثر ممّا نسكنه يستحق ألّا يبقى مجرّد حلم مؤجّل في أذهاننا.

* إعلامية في سكاي نيوز عربية في أبو ظبي وباحث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات في واشنطن

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق