نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مشكلة المهاجرين الأفارقة تصبح قضية رأي عام في تونس - ايجي سبورت, اليوم الأربعاء 19 مارس 2025 12:46 صباحاً
ايجي سبورت - أضحت مشكلة المهاجرين الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء قضية رأي عام في تونس.
انشغال التونسيين بالموضوع ليس جديداً، لكن ما تغير هذه المرة هو الانطباع العام بتزايد أعداد هؤلاء المهاجرين وغياب المعلومات الموثوقة حول الموضوع. وفاقم الشعور بالأزمة دخول عدد من البرلمانيين على الخط للتحذير من أن الحالة في مدينتي جبنيانة والعامرة في محافظة صفاقس، حيث توجد أكبر تجمعات لهؤلاء المهاجرين، "أصبحت لا تطاق"، محذّرين من تصاعد العنف والإجرام وتدهور الظروف المعيشية للمواطنين في مناطق إقامة المهاجرين. بعض هؤلاء البرلمانيين يقولون إنهم ينوون تقديم مبادرات تشريعية من أجل منع إسناد الجنسية لأبناء المهاجرين المولودين في تونس، وحظر تملّك الأراضي والعقارات من قبل المهاجرين، بالإضافة إلى توفير المزيد من الضمانات القانونية لقوات الأمن والجيش في تصديها للمهاجرين غير القانونيين.
نائبة عن جهة صفاقس زارت مخيمات المهاجرين، ونقلت وقائع زيارتها بالصورة والفيديو لإثبات أن هؤلاء أصبحت لهم مرافقهم الصحية والترفيهية الخاصة بهم بما يظهر أنهم أضحوا يشكلون -حسب قولها- "دولة داخل الدولة". وحذرت من أن "التوقعات المستقبلية لصفاقس تشير إلى أنه خلال السنوات العشر المقبلة سيصبح المهاجرون الأفارقة يمثّلون قرابة 5 في المئة من السكان، و18 في المئة في 2040" بما يعني "تغيير التركيبة الديموغرافية" للبلاد.
كان هناك منذ سنوات تيار قويّ ضمن الرأي العام التونسي لا يقبل أصلاً بوجود المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء على التراب التونسي ولو كان هناك بين أرباب الأعمال من يشغّل هؤلاء المهاجرين في مهن لا يقبل عليها التونسيون. توسّعت خلال الفترة الأخيرة رقعة التيار المتوجّس من وجود المهاجرين، وأصبح الكثيرون يعربون عن خشيتهم من احتمال "توطين" هؤلاء القادمين من جنوب الصحراء بعدما فشلوا في العبور إلى أوروبا.
ومما زاد من منسوب الخوف غيابُ الأرقام الدقيقة لعدد المهاجرين الموجودين على التراب التونسي. فالتقديرات تتحدّث عمّا بين 20 ألفاً و80 ألفاً أو أكثر حسب المتحدّثين. والخطر اليوم هو أن يخرج خطاب الكراهية والعنصرية عن السيطرة، وأن تتأجج الأوضاع، بخاصة بعد الاصطدامات التي جدّت بين رجال الأمن ومجموعات من المهاجرين الأفارقة في مناطق من محافظة صفاقس، ثم ظهور بعض المواطنين المسلّحين بالعصي في مقاطع على الإنترنت وهم يبحثون عن المهاجرين لإخراجهم من مناطقهم.
لا تجد السلطات أمامها حلولاً كثيرة. أحد هذه الحلول هو تشجيع المهاجرين على "المغادرة الطوعية" بالتعاون مع المنظمات الدولية المختصة. وتقول السلطات إن جهودها أدت إلى عودة 7250 مهاجراً غير نظامي إلى بلدانهم سنة 2024. ولكن الإجراءات معقدة وتتطلب وقتاً طويلاً في وقت تواجه ضغوطاً خارجية متناقضة؛ فهي ملتزمة بالتعاون مع أوروبا على منع تدفق المهاجرين غير الشرعيين انطلاقاً من أراضيها، مما جعلها تدفع ضريبة مكلفة نتيجة ذلك تمثلت ببقاء هؤلاء المهاجرين بأعداد متزايدة في تونس. في الوقت نفسه، تجد السلطات صعوبة في منع تسرّب المهاجرين من جنوب الصحراء (تدعمهم شبكات تهريب منظمة) عبر حوالي 1500 كيلومتر من الحدود البرية المشتركة لتونس مع كل من الجزائر وليبيا، بخاصة أن كل بلدان شمالي أفريقيا تفيض بالمهاجرين الزاحفين عبر الصحراء هرباً من الحروب والفقر والانحباس الحراري وطمعاً في عبور المتوسط نحو أوروبا.
والغريب أن "الشريك الأوروبي" لا يبدي انشغالاً كبيراً بالضغوطات الداخلية التي يخلقها وجود المهاجرين الأفارقة بالنسبة لتونس حيث الوضع الاقتصادي والاجتماعي هشّ أصلاً. كان من المفروض أن تمهد اتفاقية "الشراكة الاستراتيجية" المبرمة بين الطرفين في تموز/ يوليو 2023 السبيل أمام معالجة فعالة ومتضامنة لمشكلة الهجرة غير النظامية لا أن تجعلها عبئاً على طرف واحد. اليوم، لا همّ للبلدان الأوروبية سوى التخلّص من المهاجرين غير النظاميين من أراضيها، سواء بتكثيف عمليات ترحيلهم أم بالسعي لوضعهم في مراكز إيواء خارج حدود الاتحاد الأوروبي، بخاصة أمام الصعود المتواصل لأقصى اليمين وانشغال البلدان الأوروبية بقضايا أخرى تراها أكثر إلحاحاً مثل نزاعها الجمركي مع الولايات المتحدة والحرب في أوكرانيا، بل إنك أصبحت تسمع أحياناً أصواتاً في الغرب تدعو تونس إلى "تسوية" الأوضاع القانونية للمهاجرين الأفارقة أي القبول بإقامتهم بشكل دائم في البلاد، وإن كان ليس من الواقعي أمام المصاعب التي تعيشها تونس الآن مجرّد طرح مثل هذه الفرضية التي أثارتها أخيراً خبيرتان أميركيتان في واشنطن.
وأمام ازدحام الأجندات الإقليمية بالنزاعات والحروب لا أمل في جهد عربي أو أفريقي ينكب على معالجة جذور المشكلة بشكل جدي. في الأثناء لم يعد بإمكان تونس أن تتعامل مع قضية الهجرة كمجرد ملف تتفاوض فيه مع أوروبا بعدما تحولت إلى مصدر للتوتر وعدم الاستقرار في الداخل.
0 تعليق