غمار بابل - ايجي سبورت

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
غمار بابل - ايجي سبورت, اليوم الأربعاء 19 مارس 2025 09:28 صباحاً

ايجي سبورت - كان الشاعر جوزف صايغ يسمّي لبنان "الوطن المستحيل". والتسمية أبعد ما تكون عن الشعر، وأقرب ما تكون إلى الحقيقة، أو إلى المصيبة.

لبنان داء لا شفاء منه. مخدّر. شيء مثل الأفيون، أو الحشيشة.  يشعل الحواس ويطفئ الوعي. بلد، له علم يرفرف بالبعض إلى السماء، ويمنعه البعض الآخر من الوقوف "للنشيد الوطني". قصة بلا نهاية. كليلة ودمنة، على ألف ليلة وليلة، على أمثولات جورج أورويل، على رباعيات الخيام، على حنكة المسيو "دو لافونتين".

وأنصحك أيضا بالإسكندر الكبير. وقبل أن تسأل لماذا هذا المقدوني الذي حمل العالم على قرنيه، ثم مات في الثانية والثلاثين، بعد حفلة أكل وشرب مع صديقه ميديو؟  دعني أجيب بأن ثمة سراً غريباً في عباقرة هذا الكون. دائماً يموتون في حوالى هذا العمر. المسيح يسوع كان في الثالثة والثلاثين. جبران خليل جبران أكبر قليلاً.

بعد العشاء الرهيب مع صديقه ميديوس، ظل أقوى رجل في العالم طوال أسبوعين، يبحث في جسده الفتي عن قوة تمكّنه من البقاء، كي يتمتع برؤية العالم في راحة يده.  عبثاً. ولمّا أيقن جنرالاته أن النهاية تتخابث حول وسادته، وسألوه لمن يوصي بالخلافة؟ أجاب واهناً، "للأقوى". ربما من تلك الوصية اتخذ جان دو لافونتين أشهر لطائفه في حكاية "الذئب والحمل". منطق القوة.

لكن هل للقوة منطق؟ لا. لأنه يعقلها ويعوق هوسها. وهكذا في غياب المنطق، أو استحالته، يبقى الوطن مستحيلاً والدولة عصية.

لكن لا بد من الاستمرار في البحث، ولو على دروب اليأس والقنوط. وقد تجلى مدى وحشتها في استسلام كاتبنا سركيس نعوم لدعوة الفيدرالية الشائعة هذه الأيام، بديلاً من الاقتتال والسموم و"زوم" الحقد الذي يتجرعه اللبنانيون كل صباح مع عناوين الصحف، وكل مساء مع عناوين النشرة الإخبارية. وفي الحالتين تطل لغة بابل. اللغة التي لا يفهمها الناطقون، أو السامعون. وكلما أسيء فهمها، علا صراخها. والصراخ صمم.

خلال السقوط الطويل في الوطن والدولة، كان انهيار المجتمع الذي على غراره كنا نقيّم الإثنين، أو نحاول. غابت لغة التحيات وقيم الجوار، وتقاليد الألفة بكل وجوهها. وفي مثل هذه الفوضى التامة تضيع مقاييس الاستمرار ضمن كيان موحد تحكمه الرغائب المشتركة، وروح التبادل والتساوي، في الربح والخسارة.

الجميع ينادي الآن على الدولة. لكن كيف العثور عليها في بابل؟ ويزيد في الكارثة أننا مجرد فاصلة تضرب العالم أجمع. عندما نفيق كل يوم، أول ما نريد معرفته ما هي مفاجأة ترامب اليوم؟ هل كان يخيل اليك أن الرجل يبحث (بكل جديّة) عن وطن لأهل غزة في إفريقيا الشرقية؟ أين؟ في الصومال، في أوغندا، في كينيا، أين إذاً؟

فلننتظر صباح غد. أنا قررت بعد اليوم أن آخذ الرجل على محمل الجّد. عندما كنا يافعين كان يقال إن العالم يبحث لليهود عن دولة في أوغندا. أو البرازيل. أو في ارض إفريقية أخرى. الآن يبحثون عن مثل هذا الوطن للفلسطينيين. وإنه لعالم (برمّته) مستحيل، وليس فقط هذا الوطن الواقع، في غمار بابل!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق