نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأحزاب الشيعية العراقية... من الانقسام إلى التقسيم - ايجي سبورت, اليوم الأربعاء 19 مارس 2025 10:26 مساءً
ايجي سبورت - لا يمكن وصف ما جرى في آب/ أغسطس 2022، بين القوى الشيعية العراقية من احتكاك مسلح على أنه لحظة انسداد سياسي وفشل في الوصول إلى توافق لتغانم مؤسسات الدولة، بقدر ما يمكن أن نصفه بأنه بداية انقسام حاد في المتبنيات العقائدية وتقاطع في الأيديولوجيات لم يكن ظاهراً سابقاً، ليشير إلى بدء مرحلة جديدة في الأداء للأحزاب الشيعية تتسم بعدم الثقة المتبادل داخل التحالف الحاكم، بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان والحياة السياسية.
رغم حالة الانسجام السياسي "النسبي" الذي استمر لمدة عام بعد تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، داخل التحالف أو ما بين الأخير وحكومته، بدأت الانقسامات تتصاعد بشأن العديد من الملفات ومنها كيفية إدارة الدولة في ضوء محاصصة حزبية وانتقائية في مكافحة الفساد والتعامل مع الشركاء وملف الحريات وصعود المعارضة وصفقات القوانين، وقرار الحرب والسلم بعد انخراط الفصائل المسلحة الموالية لإيران في أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وإعادة صياغة العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية وانسحاب قواتها القتالية، والجدل حيال اشتراطاتها بضرورة تفكيك الميليشيات أو دمجها في الأجهزة الأمنية وإنهاء النفوذ الإيراني، لتصل هذه الانقسامات إلى لحظة التصادم بعد الكشف عن "فضيحة التنصّت" التي اتُّهم فيها موظفون في مكتب رئيس الوزراء، تلك القضية التي كانت ستطيح بالتحالف الشيعي والحكومة لولا المعالجة الإيرانية للحفاظ على هذا الكيان حتى وإن كان "ديكورياً".
هذا التشتت تمظهر بعجز الإطار الشيعي عن عقد اجتماعات أو الخروج بمواقف موحدة، ليصل الأمر إلى الإعلان رسمياً عن وجود نيّات لخوض الانتخابات بخمس قوائم، ما يشير إلى أن الانقسام هو الفعل الملازم لهذه الأحزاب، وما تحالفها إلا قبول موَقّت لبعضهم أدّى إلى شلل الدولة.
وفي منعطف لافت من ناحية الفكرة والتوقيت، طرح عدد من قادة الأحزاب والفصائل مشروع الدولة الشيعية أو الإقليم الشيعي الذي يشمل تسع محافظات عراقية والسيطرة على النفط في وسط وجنوب العراق واحتكاره للمكوّن خلافاً للنصوص الدستورية، بعدما كانت تلك المطالبات من الخطوط الحمر التي يجب أن لا يتجاوزها الشركاء في المكونات الأخرى. هذا الطرح يوفر فرصة لإحياء المشاعر الطائفية نتيجة الفشل الذي ظهرت عليه كتلهم في البرلمان وحكومتهم بتنفيذ خطط الإصلاح السياسي والاقتصادي وسوء الخدمات، فضلاً عن استغلال التوقيت لهذا الطرح بالتزامن مع تطورات الأوضاع في الساحل السوري من جهة، ولقرب الانتخابات البرلمانية في نهاية عام 2025 من جهة أخرى، ما يشكل دعاية انتخابية مبكرة يحاولون من خلالها كسب مزيد من الاستعطاف السياسي للحصول على أصوات تؤهّلهم لاستمرار هيمنتهم على السلطة الهشة في العراق، رغم إدراكهم أن الشارع الشيعي يرفض هذه الدعوات، ومحاولة الهروب من تحمّل تبعات الفشل في الحكم لمدة عقدين.
كذلك فإن التلويح بتقسيم العراق يُعد ورقة ضغط على دول الجوار العربي الرافض لمثل هذه الأجندات لما لها من تداعيات على المنطقة عموماً، ومحاولة من الحلفاء للتخفيف من خسائر إيران نتيجة هروب بشار الأسد وانتكاسة "حزب الله" اللبناني وتقويض الحوثيين في اليمن، من خلال الاحتماء بتأسيس فيدرالية جغرافية حليفة لإيران، وتهديد واشنطن الراعية للنظام السياسي في العراق بأن تجربتها بزرع الديموقراطية في العراق انتهت إلى تقسيم البلد.
إن ارتباك الأحزاب الإسلامية الشيعية وانتقالها من حالة الانقسام الداخلي إلى الدعوة لتقسيم العراق واعتمادها خطاباً عقائدياً بدلاً من الشراكة الوطنية يؤكد أهمية حاجة هذه القوى والقيادات إلى إعادة التقييم للأداء والخطاب وعدم اعتماد المشاريع البديلة من الدولة الموحدة والهوية والجغرافية الجامعة، كذلك فإن محاولاتهم طرح التقسيم كمشروع بديل أو استخدامه عند الحاجة، لن يساعدهم على تجنب خسائر تلوح في الأفق تبدأ بفقدانهم مؤيّديهم وتالياً مساحتهم في السلطات وتنتهي بالنظام السياسي الذي سيكون معرّضاً للاهتزاز ومن ثم تفكك الوطن، وهنا هم من سيتحمّلون هذه الكارثة إن كانوا يستشعرونها.
0 تعليق