نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
نوروز: عيد انفصال الأكراد عن الهويّات القومية المفروضة عليهم بالسطوة - ايجي سبورت, اليوم الجمعة 21 مارس 2025 06:45 صباحاً
ايجي سبورت - عيد نوروز، الذي تحييه شعوب مناطق واسعة تمتد من آسيا الوسطى إلى البلقان، مروراً بإيران وتركيا، يكتسب أهمية خاصة بالنسبة إلى الأكراد، ليتحوّل من مجرد احتفال ثقافي إلى مناسبة سياسية ترتبط بالهوية، وتعكس عزيمة الثبات في وجه التحديات الخاصة بالمسألة الكردية في أجزاء كردستان الأربعة، الموزّعة بين تركيا وسوريا والعراق وإيران.
كان نوروز عيداً يُحتفل به في العهد العثماني وفي السنوات الأولى للجمهورية، قبل أن يحظره مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك ضمن سياسات التتريك وأدلجة الدولة القومية التي اتّبعها، بعد تمكّنه من السلطة بدعم الأكراد ومساندتهم.
مع إثبات سياسات الحظر فشلها، واستمرار الأكراد في التمسّك بالاحتفال بهذا العيد، خصوصاً في مناطق شكّلوا فيها أغلبية سكّانية، اتّخذت الدولة التركية نهجاً آخر استند على تكرار أن "هذا العيد ليس حكراً على أي مجموعة عرقية أو أمة معينة، بل هو أكبر عيد شعبي يُحتفل به في هذه المنطقة الجغرافية".
مزيج من الثقافة والسياسة
عكست إعادة احياء الدولة التركية لنوروز كاحتفال ثقافي بديل عن السياسي كردياً، حالة التأهب الشديدة للدولة التركية تجاه الأكراد وكردستان، ومحاولتها السيطرة على مساحتهم الثقافية بالطرق السياسية.
بعد انقلاب 12 أيلول /سبتمبر 1980 في تركيا، تحوّل "نوروز" إلى مناسبة سياسية تحمل صرخة ضد الظلم ، فكانت حادثة انتحار مظلوم دوغان، أحد مؤسسي حزب العمال الكردستاني، بشنق نفسه خلال احتفالات نوروز في عام 1982، ومن ثم تاريخاً مفصلياً لإضراب النشطاء الأكراد عن الطعام في السجون التركية، خصوصاً سجن ديار بكر سيئ السمعة، حتى بات العيد أشبه "بيوم للمقاومة".
قابل الأكراد مسعى أنقرة لتفريغ النوروز من خصوصيّته الكردية بالمزيد من التمسّك بالهويّة السياسية للعيد، حتى طغى في الكثير من الأحيان على جانبه الثقافي، مع زيادة نشاط الحركة السياسية الكردية، خصوصاً حزب العمال الكردستاني في أواخر الثمانينيات، وبدأت احتفالات نوروز ترتبط بالحركة التحررية الكردية، حيث غدت احتفالات نوروز مناسبة لقراءة الرسائل وتلاوة البيانات باللغتين التركية والكردية، وترديد الشعارات والهتافات ورفع الأعلام وصور رموز حركة التحرر الكردية.
كذلك ارتبط يوم نوروز في تركيا بالتظاهرات السياسية التي لم تخلُ من اشتباكات مع الشرطة ووقوع جرحى وقتلى، كما الحال في يوم نوروز 1992 الذي تحوّل في مدن شرناق وجيزرة ونصيبين إلى جنازات، حين قُتل 57 كردياً برصاص الجندرما التركية.
استمر الوضع على هذا النحو حتى نوروز 2007 حين غدت الاحتفالات محوراً للنشرات الإخبارية الرئيسية في القنوات التلفزيونية التركية الرائدة، كما تم تناولها بشكل واسع ومفصّل في الصحافة التركية، في تحوّل واضح في سياسات الدولة التركية حيال العيد والاكراد عموماً.
وبعد عام 2010، بات نوروز انعكاساً لجو السلام والحل الذي ساد 5 سنوات، حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كانون الأول /ديسمبر 2012، عن إجراء محادثات مع عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني الذي ينفذ عقوبة بالسجن المؤبد في إمرالي. ومع انطلاق عملية "مسار الحل"، في 21 آذار /مارس 2013 خلال احتفالات نوروز في ديار بكر، تمت قراءة رسالة أوجلان باللغتين الكردية والتركية، التي أعلن فيها انسحاب القوات المسلحة لحزب العمال الكردستاني من تركيا، قبل أن يصل المسار إلى طريق مسدود في عام 2015.
عود على بدء
استمر الأكراد في الاحتفال التقليدي والسياسي بعيد نوروز، والذي اكتسب أهمّية مع صعود الأحزاب الموالية للكرد والممثّلة في البرلمان مع تعدد أسمائها نتيجة لقرارات الإغلاق المتتالية بحقّها من المحاكم التركية. فإلى جانب استغلال الحركة السياسية الكردية لتجمّعات المحتفلين لتمرير الرسائل المتعلّقة بالقضية الكردية، باتت ساحات نوروز أيضاً منبراً للدفاع عن حقوق الفئات الهشّة في المجتمع، والتركيز على القضايا الاجتماعية كما في حال المطالبة بحقوق المتضررين من الزلزال، أو جدولة عمل سياسات الانتخاب المحلية في عام 2023، إلى جانب المطلب المتكرر منذ عام 1999، والقاضي بضرورة الإفراج عن الزعيم الكردي عبد الله أوجلان.
وبعد رسالة أوجلان الأخيرة، رداً على دعوة زعيم حزب الحركة القومية اليميني التركي دولت باهتشيلي، شريك أردوغان في السلطة، أعلن المتحدّث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، عمر جيليك، أن أردوغان سيشارك في احتفالات نوروز كعيد وذكرى قديمة لتوجيه رسالة أخوة إلى العالم التركي والشرق الأوسط وبلاد ما بين النهرين والبلقان.
الأسد استعان بالتجربة التركية
وارتبط نوروز في ذاكرة الأكراد السوريين بخليط من مشاعر الاحتفال والفرح، مقابل الشعور بفقدان الأمان، ليس بسبب وجود الجنود أو رجال الشرطة المستعدين للتدخل في أي لحظة فحسب، بل لحالة الإنكار التي أصرّت عليها الإيديولوجيا البعثية التي رأت في عطلة عيد الأم مبرراً لانصراف أكراد سوريا للاحتفال بنوروز، ومناسبة لتشتيت الأنظار عن العيد السياسي - الثقافي الكردي.
في المقابل، نجح الأكراد في سوريا، خصوصاً في مناطق تواجدهم الكثيف سواء داخل المدن الكبرى أو في الأرياف، في خلق حالة من التواصل العاطفي المشترك، الأمر الذي تمثل في تدفّق عشرات الآلاف نحو ساحات عفرين والقامشلي والشيخ مقصود وغيرها.
وعلى نهج جارتها الشمالية اللدودة، وجدت دمشق نفسها في عهد الأسد الإبن وبعد اندلاع الحرب السورية، مجبرة على "مجاملة" أكرادها، لاستمالتهم أو ضمان حيادهم في حربها مع الفصائل المسلّحة. فبدأ الأكراد السوريون يسمعون رسائل تهنئة بالعيد باللغة الكردية عبر التلفزيون الرسمي، وغض الطرف عن التغطيات الإعلامية لاحتفالات نيروز في معظم المدن السورية، ومنها العاصمة دمشق، مزيّنة بأعلام كردستان ورايات الأحزاب الكردية وصور الزعيم أوجلان.
في سوريا، كما في تركيا والدول الإقليمية الأخرى، أدى نوروز دوراً مركزياً في تشكيل الهوية الجماعية الكردية، وباتت احتفالاته نقطة مرجعية أساسية في إنتاج الوعي الثقافي والعرقي والسياسي الكردي، ما وفّر فرصة للانفصال عن الهويّات القومية أو الدينية المفروضة عليهم بالسطوة طوال عقود.
0 تعليق