نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من يروي القصة؟ صراع خفي بين الصحافي والخوارزمية - ايجي سبورت, اليوم الأحد 23 مارس 2025 09:47 مساءً
ايجي سبورت - لندن -"النهار"
وفقاً لتقرير نُشر في صحيفة "الغارديان" البريطانية، تتعامل غرف الأخبار حول العالم مع موجة متسارعة من التغيرات التي فرضتها تقنيات الذكاء الاصطناعي، وسط مزيج من الترقب والقلق حيال مستقبل المهنة. وبينما يبرز توافق متزايد على إمكانات هذه التكنولوجيا، لا تزال هناك مخاطر كبيرة تلوح في الأفق، لعل أبرزها هو احتمال أن تتجاوز أدوات الذكاء الاصطناعي المؤسسات الإعلامية نفسها، وتصبح هي الوسيط الرئيسي بين الخبر والجمهور.
في أوائل آذار / مارس، أثار إعلان وظيفي جديد اهتمام الوسط الصحافي، إذ أعلنت شركة Gannett، الناشرة لصحيفة USA Today، عن حاجتها إلى "مراسل رياضي بمساعدة الذكاء الاصطناعي". وقد رُوّج لهذه الوظيفة باعتبارها "في طليعة عصر جديد في الصحافة"، لكنها جاءت مشروطة بعدم الحاجة الى السفر أو إجراء مقابلات مباشرة. وعلّق المعلق الرياضي غاري تابهاوس بسخرية: "لقد كان الأمر ممتعاً ما دام مستمراً".
الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار: فرصة أم تهديد؟
يُظهر التقرير أن التقدم السريع لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أدخل غرف الأخبار في مواجهة مباشرة مع أسئلة وجودية حول مهنتهم. فبينما أُتهم أحد مشاريع الذكاء الاصطناعي في مؤسسة إعلامية بتلطيف صورة جماعة "كو كلوكس كلان"، ساعدت أدوات أخرى بعض الصحافيين البريطانيين في تحقيق أكثر من 100 توقيع صحافي في يوم واحد.
ومع تصاعد الجدل، بدأ يتشكل إجماع حذر داخل الصناعة بشأن المهمات التي يمكن للذكاء الاصطناعي تنفيذها بدقة في الوقت الراهن. غير أن المؤسسات الإعلامية، وفقاً لتقرير "الغارديان"، تدرك جيداً وجود "فيل في الغرفة": ماذا لو قرر المستخدمون ببساطة التوجه إلى المساعدات الذكية بدلاً من متابعة الصحف والمواقع الإخبارية؟ كما عبّر أحد التنفيذيين في وسيلة إعلامية بريطانية: "أعتقد أن المعلومات الجيدة يمكن أن تزدهر في عصر الذكاء الاصطناعي، لكن علينا وضع القواعد بالشكل الصحيح في العامين القادمين، وإلا فسنكون جميعاً في مأزق".
إخفاقات مبكرة تثير القلق
في دراسة حالة لافتة، أطلقت صحيفة "لوس أنجليس تايمز" أداة ذكاء اصطناعياً في آذار / مارس الماضي لتقديم وجهات نظر بديلة في المقالات الافتتاحية. لكن الأداة أثارت الجدل عندما وصفت "الكو كلوكس كلان" بأنها "ثقافة بروتستانتية بيضاء" تفاعلت مع التغيرات المجتمعية، ما بدا كأنه تقليل من طبيعة الجماعة الكارهة. ووفقاً للتقرير، قال أحد التنفيذيين الإعلاميين: "لقد أُعطيت الأداة مهمة إصدار أحكام لا يمكن توقعها منها".
حتى شركة "أبل" اضطرت إلى إيقاف ميزة قامت بتلخيص عناوين أخبار BBC بشكل غير دقيق، مما يعكس التحدي الحقيقي في ضمان دقة ما تنتجه أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
حالات استخدام واقعية وواعدة
رغم هذه الإخفاقات، تشير "الغارديان" إلى أن الصحافيين ومطوري البرمجيات يعملون منذ سنوات على استكشاف الاستخدامات المثلى لهذه التكنولوجيا. غالباً ما تتركز التطبيقات الحالية في إنتاج عناوين أو ملخصات لمقالات أصلية، وهي أمور يمكن المحررين البشريين التحقق منها بسهولة . مؤخراً، انضمت صحيفة The Independent إلى عدد من المؤسسات التي تنشر نسخاً كثيفة من مقالاتها باستخدام الذكاء الاصطناعي.
كذلك بدأ بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى باختبار روبوتات محادثة تعتمد على أرشيفها الخاص، ما يتيح للقراء طرح أسئلتهم. ومع ذلك، فإن المحررين لا يمكنهم التأكد من دقة كل إجابة. فعلى سبيل المثال، أرفقت صحيفة "واشنطن بوست" ميزة "الشات بوت" الخاصة بها بتحذير ينص على: "هذا اختبار... نظراً الى أن الذكاء الاصطناعي قد يخطئ، يرجى التحقق من الإجابة من خلال مراجعة المقالات المرتبطة".
كفاءة على حساب الجودة؟
تشير "الغارديان" إلى أن مدى قدرة المحررين على الإشراف بأمان على المحتوى الذي تنتجه أدوات الذكاء الاصطناعي لا يزال موضع جدل. مجموعة Reach، التي تملك صحيفة Daily Mirror ومواقع محلية عدة، تستخدم أداة تُعرف باسم "Guten" لإعادة صياغة محتواها وتقديمه بطرق مختلفة الى جماهير متعددة. وقد ساهمت هذه الأداة في تسجيل عدد لافت من التوقيعات الصحافية؛ ففي يوم واحد، سجل أحد الصحافيين الإقليميين 150 توقيعاً أو توقيعاً مشتركاً عبر منشورات المجموعة.
ورغم أن الصحافي المعني لم يستخدم "Guten" بنفسه، إلا أن التقنية أُستخدمت لإعادة نشر عمله بصيغ مختلفة. وقد عبّر بعض الصحافيين في Reach عن مخاوفهم، لكن متحدثاً باسم المجموعة شدد على أن Guten "مجرد أداة يجب استخدامها بعناية"، وأضاف: "لقد حققنا تقدماً في تقليل الأخطاء ودعم العمل اليومي، مما أتاح للصحافيين التفرغ لمحتوى لم يكن ليُكتب أصلاً".
وقد استخدمت شبكة USA Today المنطق نفسه لتبرير وظيفة "المراسل الرياضي بمساعدة الذكاء الاصطناعي"، قائلة: "من خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، نحن قادرون على توسيع التغطية وتمكين صحافيينا من التركيز على تغطيات رياضية أكثر عمقاً".
لكن ليس الجميع مقتنعين بذلك. فالمحرر السابق في The Independent، كريس بلاكهيرست، قال مؤخراً إنه "متشكك للغاية"، ويخشى أن يتم في الواقع "تحرير الموظفين للعمل في أماكن أخرى".
الاستخدامات الخفية داخل غرف الأخبار
بحسب "الغارديان"، فإن الاستخدام الأكثر فعالية للذكاء الاصطناعي لا يحدث على العلن، بل خلف الكواليس، حيث يُستخدم لتحليل قواعد بيانات ضخمة. مؤسسات مثل "فايننشال تايمز"، و"نيويورك تايمز"، و"الغارديان" نفسها، تستكشف هذه التقنية. وقد ساعد الذكاء الاصطناعي في النرويج مثلاً في الكشف عن حالات إهمال شديدة من خلال تحليل أكثر من 1000 صفحة من وثائق المستشفيات.
تشمل الاستخدامات اليومية الأخرى: النسخ التلقائي، الترجمة، والاستماع الاجتماعي. فمثلاً، قامت منصة The News Movement، التي تستهدف جمهوراً شاباً، بتطوير أداة تتابع النقاشات الجارية على وسائل التواصل وتُعلم الصحافيين بها. وقال ديون بيلي، رئيس المنتجات والتقنية في المنصة: "هذا يساعدنا على فهم المواضيع التي يتحدث عنها الناس في الوقت الحالي". كما تحاول بعض المؤسسات مثل Der Spiegel استخدام الذكاء الاصطناعي التحقق من الحقائق.
تحويل القصص إلى تنسيقات متعددة
تشير الأبحاث الأكاديمية، التي استشهد بها تقرير "الغارديان"، إلى أن المستقبل يتمثل في "تحويل تنسيقات القصص لتناسب الجمهور"، سواء على شكل نصوص مختصرة، أو تسجيلات صوتية، أو مقاطع فيديو. ويخطط حوالى ثلث قادة وسائل الإعلام الذين شملهم استطلاع معهد "رويترز" لدراسة الصحافة، لتجربة تحويل القصص النصية إلى فيديو. وتتوافر بالفعل أدوات قادرة على تحويل لقطات طويلة إلى محتوى قصير قابل للمشاركة.
تهديد وجودي: الذكاء الاصطناعي كمصدر مباشر للمحتوى
ومع كل هذا الابتكار، يبقى الخوف الأكبر – بحسب تقرير "الغارديان" – أن تحل روبوتات المحادثة الشخصية مكان المؤسسات الإعلامية كلياً. وقال أحد المسؤولين الإعلاميين: "ما يبقيني مستيقظاً ليلاً هو أن يُقحم الذكاء الاصطناعي نفسه بيننا وبين الجمهور". وقد أثار إطلاق "غوغل" لما يُعرف بـ "وضعية الذكاء الاصطناعي"، الذي يقدم المعلومات من مصادر متعددة عبر روبوت محادثة، ذعراً واسعاً في الصناعة.
ويرى البعض أن التدخل الحكومي قد يكون الحل الوحيد. وفي الوقت نفسه، بدأ بعض المؤسسات الكبرى بتوقيع اتفاقات ترخيص مع شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى، للسماح باستخدام محتواها في تدريب النماذج، في مقابل الإشارة إلى المصدر. "الغارديان" نفسها عقدت اتفاقاً مع "أوبن إيه آي"، فيما تقود صحيفة "نيويورك تايمز" دعوى قضائية ضد الشركة بسبب استخدام محتواها من دون إذن.
ورغم المخاوف، عبّر ديون بيلي عن تفاؤل حذر قائلاً: "إذا تركزت القوة في يد شركتين أو ثلاث، فستواجه الصناعة مشاكل حقيقية. علينا أن نتكيف مع الطرق الجديدة التي يصل بها الناس إلينا. هذه مجرد حقيقة".
0 تعليق