المصور الإماراتي حسين الموسوي لـ"النهار": هكذا تحولت الكاميرا إلى أداة لفهم المشهد المعماري - ايجي سبورت

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المصور الإماراتي حسين الموسوي لـ"النهار": هكذا تحولت الكاميرا إلى أداة لفهم المشهد المعماري - ايجي سبورت, اليوم الثلاثاء 25 مارس 2025 09:13 صباحاً

ايجي سبورت - على مدى أكثر من عقدين، كانت الكاميرا رفيقة درب المصور المعماري الإماراتي حسين الموسوي الذي بدأ رحلته في عالم الفوتوغرافيا في فترة مفصلية بين التصوير التقليدي بالأفلام والتكنولوجيا الرقمية. درس الإعلام التطبيقي، وتعلم التصوير بكاميرات الفيلم، ما منح أعماله عمقاً بصرياً مبنياً على أسس فنية وتقنية راسخة. لاحقاً، خلال دراسته التصميم الغرافيكي في أوستراليا، بدأ الموسوي استكشاف أبعاد الصورة الرقمية، موثقًا محيطه الاجتماعي بأسلوب يوازن بين التقنية والرؤية الفنية.

لكن التحول الأبرز في مسيرته جاء في عام 2010، عندما انتقل إلى ملبورن، المدينة ذات الطابع الحضري المتفرد، إذ دفعه شغفه بالتصميم إلى دراسة هويتها البصرية ومعالمها المعمارية بشكل منهجي. وعلى مدار أربع سنوات، عمل على توثيق الأنماط الحضرية التي تشكل ملامح المدينة، وهو ما شكّل أساساً لرؤيته الفوتوغرافية في توثيق الهوية العمرانية.

 

لقطة من سلسلة سعي بين الواجهات

 

عند عودته إلى الإمارات، حمل الموسوي معه هذا الشغف العميق بتوثيق التفاصيل الحضرية، وبدأ برصد المشهد المعماري للدولة بعدسة ناقدة، ساعياً إلى فك شيفرة الهوية العمرانية المتعددة الأوجه لدولة الإمارات، في رحلة بصرية تجمع بين الفن والتوثيق والتحليل التصميمي.

في هذا اللقاء مع "النهار"، يكشف الموسوي ملامح رحلته مع التصوير المعماري، وكيف تحول شغفه بالصورة إلى وسيلة لفهم الهوية الحضرية والمعمارية وتوثيقها.

كيف تعرّف الكاميرا؟
عندما كان المصور يستخدم الفيلم ويحمضه ويطبع الصور كان للأداة عمق، إذ كان المصور صاحب حرفة يدوية فضلاً عن  كونه مصوراً. أما اليوم، وعلى رغم شغفي بالأداة بحدّ ذاتها،  أصبحت الكاميرات -على اختلافها- في متناول الجميع. لذا تسمية شخص نفسه مصوّراً أصبحت لدرجة كبيرة شيئاً لا معنى له من دون النظر إلى ما يقدّمه من خلال هذه الأداة. بحكم شغفي بمجال العمارة، وجدت نفسي أقلّ انغماساً في الأداة ذاتها، ولا أتعمق فيها سوى في سبيل ما يخدم المادة.

ما الذي ألهمك لتوجيه عدستك نحو تصوير المباني اليوم؟
منذ عام 2010 لا يزال إلهامي هو دراسة “المساحات” الحضرية لتشكيل فهمنا لهوية الأماكن التي نعيش فيها، سواء أكان على مستوى دولة أم مدينة أم حيّ. لم يتشكّل هذا الاهتمام عشوائياً، فهو مزيج من خلفيّتي في مجال التصميم وشغفي بالمدن والتمشّي فيها، وما كان هوسي بتقنية التصوير سوى حلقة الوصل التي مكّنتني من إيصال ما يجول من أفكار في مخيلتي بدقّة.

 

التناظر المعماري في دبي بعدسة الموسوي

التناظر المعماري في دبي بعدسة الموسوي

 

من خلال عدستك، وبين العديد من المباني التي التقطت صورها، هل وجدت قاسماً مشتركاً بينها؟
في بداية عملي الحالي “سعي بين الواجهات” الذي نشأ عام 2017، استهللت بتوثيق التناظر المعماري لكونه عنصراً مشتركاً بين العمارتين الحديثة والمعاصرة. وعلى رغم أنّني تعدّيت مرحلة التناظر للوصول إلى بعد أعمق، فلا يزال التناظر عنصراً مشتركاً بين مباني ما قبل التاريخ وما يتم بناؤه هذه اللحظة حول العالم. هذا لا يعني أن كل المباني تحتوي على هذا العنصر، لكنه العنصر البصريّ الوحيد الذي لا يزال يكرّر نفسه في أرجاء المعمورة، بغضّ النظر عن الإطار العمراني لمكان ما. لكن البعد الأعمق لمشروعي هو محاولة رصد قواسم مشتركة ضمن الذي أوثقه في دولة الإمارات. وهذا يستوجب أن أوثق عينة أكبر من المباني، وإن كان ما في جعبتي ليس بالنزر القليل. بعدها، سيتم تحليل العينات بطريقة علمية ومنهجية، والتي يلعب فيها الذكاء الصناعي اليوم دوراً كبيراً.

 

هل ترى التصوير توثيقاً للواقع، أم أنه فن يحمل بصمتك الخاصة؟ أم مزيج من الإثنين؟
لكثير من المصورين، لا يعدّ التصوير توثيقاً في المقام الأول، إنما أداة تعبير. وبقدر ما أقررت لنفسي بأن مشروعي توثيقي أولاً وآخراً، أيقنت أن بصمتي الشخصية تضفي قالباً على ما أنتجه، وإن لم يكن هذا بمحض إرادتي. لذا، كل الواجهات التي صورتها هي في آن توثيق للواقع، إلا أن النمط الأحادي بتصوير المباني من زاوية مستقيمة يعبر عن بصمتي الخاصة؛ وإن كان توظيف هذا الشيء أساساً في سبيل الموضوعية. لذا، مهما حاول شخص أن يتسم بالموضوعية التوثيقية، لا بد من هوية إنسانية تجد لها مجالاً للتعبير عن نفسها. لكنني أجد حيزاً أكبر لأضع بصمتي واختبار أساليب مختلفة في المشاريع التي أُكلف بها. حتى وإن كان التوثيق هو الغاية, تظل هناك مساحة نستطيع فيها ترجمة ما نراه بصرياً وإخراجه بصورة غير مألوفة ولكن فعالة، خصوصاً بعد ما يتم استيفاء المتطلبات الأساسية للتوثيق.

هل هناك مبنى معين أثر فيك أو شعرت بأنه يحمل قصة تستحق أن تُروى من خلال عدستك؟
برج راشد (مركز دبي التجاري العالمي) لما يحمله من قيمة معمارية وتاريخية واجتماعية. كان هذا المبنى لأعوام كثيرة هو الأطول في الشرق الأوسط، وصممه المعماري والمخطط الحضري لمدينة دبي جون هاريس. عكس تصميم المبنى قيم الحداثة وملامح العمارة العربية في آن واحد، وهو جانب لا نكاد نراه في الأبراج الشاهقة، حيث اقتصرت -على وجه العموم- ملامح العمارة المحلية على العمارات الصغيرة والمتوسطة حجماً. بدلاً من هذا، مهد هذا البرج -الذي بني على بداية شارع دبي/أبوظي حينها- لما تطور ليكون بعده  “شارع الشيخ زايد”، وهو أحد أهم المراكز العمرانية والتجارية في مدينة دبي.

 

سعي بين الواجهات في أبوظبي

سعي بين الواجهات في أبوظبي

 

عند تصويرك المباني، هل تجد نفسك منجذباً أكثر إلى توثيق العمارة القديمة أم الحديثة؟ ولماذا؟
نقسم عمارة ما بعد قيام الاتحاد (1971) في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى العمارة الحديثة والمعاصرة. بشكل عام، شكلت العمارة الحديثة هوية العقدين الأولين لما بعد قيام الاتحاد، وكانت التسعينيات فترة شبه انتقالية من الحداثة إلى العمارة المعاصرة التي طغت في العالم، حيث تشكل الواجهات الزجاجية أحد عناصرها. طبيعياً، ككل من يسعى إلى الارتباط بهويته المحلية، انجذبت إلى العمارة الحديثة لما تؤصله في تفاصيلها من هوية المنطقة. كان هذا الانجذاب فطرياً قبل أن يكون لديّ إلمام بتاريخ العمارة في الدولة، وها أنا اليوم أرى الجمهور يتفاعل مع صوري التي تعكس المعمار الحديث -على رغم توثيقي كل ما هو معاصر- من دون أن يكون هؤلاء الأفراد على تمام الوعي بتفاصيل هذه العمارة.

ما أبرز التحديات التي تواجهها أثناء تصوير المباني، سواء من الناحية التقنية أم القانونية؟
منذ بداياتي وإلى الآن، لا يوجد وعي بأن للمصور هدفاً ومشروعاً شخصيّاً عندما يلتقط صوراً في الأماكن العامة. دائماً ما يكون السؤال لأي “جهة” يكون التصوير. على رغم  إمكان  إصدار التصاريح الرسمية، يركز سؤال الجمهور في الشارع دائماً على سبب أخذ الصور، وهل ستكون جزءاً من عمل صحافي أو كتاب مثلاً، إذ إن التوثيق بحد ذاته ليس سبباً مقنعاً، بخاصة عندما يكون هذا المجهود شخصياً. من الناحية التقنية، وأخذاً في الاعتبار  أنني ألتقط  صوراً للواجهات عن بعد، تشكل طبقة العجاج في الجو تحدياً في فترات مختلقة من السنة لالتقاط صور نابضة، ما يعني عدم إمكان التصوير في فترة الصيف أحياناً. الهدف هو التوثيق بشكل متناسق، إذ يتم تصوير كل المباني ضمن الظروف الجوية نفسها. لا يخلو أي مكان من هذه التحديات، ففي أماكن أخرى من العالم تعدّ كثرة الأمطار والثلوج تحدياً أمام التوثيق المتناسق.

كيف يمكن للصورة أن تتجاوز توثيق الشكل لتعكس روح المكان وعمقه التاريخي؟
يكون هذا عبر البحث ومعرفة التفاصيل التي يمكنها أن تعبر عن هذا العمق. باعتقادي يصعب عكس روح المكان بصورة واحدة إلا في بعض الأمثلة التي نضمّنها عنصراً بشرياً يحاكي هوية المبنى. توثيق أبعاد مبنى ما يستوجب تصوير كل أوجهه من الخارج والداخل لكي نبقى مع تشكيلة تحدّثنا عن تفاصيل حكايته. مثلاً، القيمة التاريخية قد تأتي من تسليط الضوء على موادّ البناء التي تعكس حقبة معيّنة من الزمن، وذلك عبر أخد لقطات تعبّر عن هذا النسيج. تختلف الآية من مبنى إلى آخر، إلا أن العملية تتطلب بحثاً، سواء بالقراءة أم بالتفحّص الميدانيّ قبل البدء بالتصوير. 

 

لقطة من سلسلة الموسوي في أبوظبي

لقطة من سلسلة الموسوي في أبوظبي

 

هل لديك زوايا أو أساليب تصوير مفضّلة عند التقاط صور المباني؟ وما الذي يجعلها مميزة بالنسبة إليك؟
في مشروع “سعي بين الواجهات” أصوّر المباني من زاوية مستقيمة، وذلك بغرض عرض التشكيلة بطريقة متناسقة تمكّننا من مقارنة الواجهات بشكل موضوعيّ من دون أن تؤثر علينا الزاوية في طريقة قراءتنا للمبنى. وهناك عنصر آخر في توثيقي ألا وهو نزع الإطار العمراني، ذلك أن هدفي في هذا المشروع هو دراسة الأطوار المعمارية على وجه التحديد، ولعناصر محددة مثل الشارع والمباني المجاورة ولون السماء أثر في طريقة رؤيتنا للمبنى، وهو ما أسعى لإزالته ليتمّ التركيز على ذات الواجهة. لكنني في مشاريعي الأخرى، وكما تستدعي الضرورة التوثيقية، أحاول تصوير المباني من أكثر الزوايا الممكنة، وذلك لإدراك كل تفاصيلها، وإن كانت تلك الزوايا (أو تلك الأجزاء من المبنى) ليست ذات قيمة جمالية تذكر. وأعير كذلك اهتماماً كبيراً للإطار العام بكل تفاصيله. لذا يمكنني القول إن أسلوب التصوير دائماً ما يكون مرتبطاً بالهدف العام، حيث يوظف الأسلوب في خدمته.

برأيك، ما الدور الذي يمكن أن يلعبه التصوير في الحفاظ على الهوية المعمارية للمدن؟
قديماً، كان يتم توثيق المبنى عبر رسمه، ولدي كثير من هذه الرسومات (المطبوعة) التي استمتع أحياناً برؤيتها أكثر من الصور، ذلك أن من رسم المبنى تمكّن بالتعبير عن جماله عبر استيعاب تفاصيله قبل الرسم. التصوير أداة قوية، ولكننا من دون محاولة فهم المبنى لن نستطيع توثيقه بأفضل حلّة. هناك عناصر أخرى أيضاً مثل المنظور والإضاءة وانعكاس الضوء، إن لم نستطيع التحكّم بها فسينعكس هذا سلباً على رؤيتنا للمبنى. لذا، فإن إدراك روح المبنى وهويّة هو أمر  أساسيّ  قبل المباشرة بالتوثيق، أيا كانت الأداة.

أي بلاد استمتعت بتصوير مبانيها أكثر؟
في ترحالي، على عكس التوثيق الموضوعيّ في دولة الإمارات، هدفي ليس التوثيق الممنهج بل نقل التجربة. في هذا، أستمتع بتصوير المدن التي تحتوي على مبانٍ من فترات تاريخية متفاوتة، بخاصة إن وجدت هذه النماذج قريبة من بعضها بعضاً. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق