نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أهرامات مصر... ودهشة السرّ - ايجي سبورت, اليوم الأربعاء 26 مارس 2025 05:54 صباحاً
ايجي سبورت - في كل مرة تطفو فيها قصة جديدة عن الأهرامات على سطح النقاش العام، أشعر أن هذا الصرح المصري الخالد يرفض أن يتحول إلى مجرد ماضٍ مجيد. الأهرامات – وتحديداً هرم خفرع – ليست فقط إحدى عجائب العالم القديم، بل هي حاضنة مستمرة للأساطير، ومحرك لا يتوقف للخيال الإنساني. الكثير من الحكايات والأساطير بل والمعتقدات كانت أهرام الجيزة محورها. آخر هذه القصص المثيرة تمثلت في مزاعم اكتشاف "مدينة ضخمة" وهياكل هندسية تحت الأرض، تقبع تحت هرم الملك خفرع. قصة أثارت ضجة هائلة على مواقع التواصل ووسائل الإعلام الغربية، وتم تقديمها كما لو أنها ستغيّر فهم البشرية لوظيفة الأهرامات من الأساس. وذلك عندما زعم باحثون إيطاليون اكتشافهم "مدينة شاسعة تحت الأرض" تمتد لعمق يصل إلى أكثر من 4000 قدم مباشرة تحت أهرامات الجيزة، مما يجعلها أكبر بعشر مرات من الأهرامات نفسها.
وبالطبع، كان من الطبيعي أن تستنفر هذه المزاعم حماسة الجمهور، الباحث عن الغرابة، والعاشق لنظريات المؤامرة والطاقة الكونية والهندسة المفقودة. لكن من الطبيعي أيضاً أن تتصدى لها أصوات علمية مصرية، على رأسها الدكتور زاهي حواس، الذي كان حاسماً حين وصف هذه الأخبار بأنها "شائعات لا تستند لأي دليل علمي"، وأن من يروجونها لا يملكون لا أدوات البحث ولا عمقه.
ليست هذه المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي يدّعي فيها فريق بحثي أجنبي اكتشافاً مذهلاً في محيط الأهرامات. هذه المرة، ادعى فريق إيطالي بقيادة كورادو مالانجا استخدام تقنيات استشعار من الفضاء لاكتشاف أعمدة عملاقة، وغرف ضخمة، ومنصات حجرية تحت الأرض على عمق يزيد عن 200 متر. وقدّموا الأمر في مؤتمر صحافي وكأنه انتصار علمي حاسم، يغيّر خارطة الفهم الإنساني.
لكن، ورغم الإثارة، فإن التفاصيل تفتقر إلى الحد الأدنى من التحقق العلمي. فالمجتمع الأكاديمي يشترط مراجعات علمية متعددة، ونشر الأبحاث في مجلات علمية متخصصة، وهو ما لم يحدث هنا. بل إن خبيراً معروفاً مثل لورانس كونيرز من جامعة دنفر قال بوضوح إن التقنيات المستخدمة لا يمكنها اختراق هذا العمق أصلاً. إنها مغامرة في المبالغة، لا في الاكتشاف.
بعيداً عن تفاصيل الزعم ونفيه، أعتقد أن ما يدور حول الأهرامات من قصص وأساطير هو أحد أهم أسباب بقائها حيّة في الوجدان الإنساني حتى اليوم. هناك رغبة مستمرة في أن يكون هناك "ما لم يُكتشف بعد". هذه الرغبة ليست خطأ، بل على العكس، هي ما يدفع العلماء والمستكشفين إلى البحث، وهي أيضاً ما يجعل السائح والمهتم ينجذب إلى الأهرامات كما لو كانت كائناً حيّاً يخبئ شيئاً في داخله.
وربما هذا هو سر الأهرامات الحقيقي: أنها لا تكشف كل أسرارها، ولا تتيح الحقيقة كاملة دفعة واحدة. هي تحتفظ بجزء من نفسها، كأنها تقول للإنسان الحديث: "كلما ظننت أنك فهمتني، أعد التفكير".
لكن في المقابل، لا يمكن السماح بتحويل هذا الغموض المشروع إلى فوضى علمية، أو تسويق معلومات غير موثقة تضرب أساس الثقة في البحث الأثري. هناك العديد من العلماء والمؤسسات المتخصصة في علم المصريات ما يؤهلها لتكون في مقدمة من يعلن أي كشف حقيقي. لا نحتاج لمن يكتشف "مدناً خفية" عبر الأقمار الصناعية دون إذن أو تصريح أو تحقق. نحن في عصر الدقة، لا الخيال البصري.
لا أملك إلا أن أتأمل كيف يمكن لحجر صامت أن يظل مصدراً لهذا القدر من الاهتمام على مر التاريخ. وكيف تحافظ كتلة صخرية بنيت قبل آلاف السنين على حضورها الطاغي في الحاضر. ولكن استدرك تأملاتي لأصل إلى حقيقة أنها ليست أحجاراً صامتة أو كتلة صخرية، لكنها إعجاز بشري نعجز حتى الآن عن إدراك أبعاده. الأهرام ليست مجرد مقابر، ولا محطات طاقة، ولا مدن خفية – هي رمز. رمز لما يمكن أن يفعله الإنسان حين يتجاوز حدود الزمن والمعرفة.
لذلك، فإن كل ما يُقال أو يُزعم، وكل ما يُثبت أو يُنفى، يزيد فقط من دهشتنا... ويثبت أن سر الأهرامات – في بقائه – هو ذاته أعظم أسرارها.
0 تعليق