الكونغو ولعنة لومومبا - ايجي سبورت

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الكونغو ولعنة لومومبا - ايجي سبورت, اليوم الخميس 27 مارس 2025 06:21 صباحاً

ايجي سبورت - مرة أخرى، تبرز جمهورية الكونغو الديموقراطية إلى الواجهة، وها هي وسائل الإعلام الدولية تسلط الضوء على فصل جديد من الحرب الدائمة في هذا البلد، إذ يبدو للوهلة الأولى أن شيئاً قد تغيّر منذ عقود. لكن الحقيقة الأكيدة تبقى ألّا شيء يتغير سوى أسماء الفصائل المتحاربة، بينما تظل البلاد محكومة بالفوضى، محاصرة بالطمع، وعاجزة عن إصلاح ذاتها.

منذ الاستقلال إلى اليوم، تتكرر المآسي بالإيقاع نفسه، كأن التاريخ يعيد نفسه دون أن يتوقف أحد ليسأل: هل هناك مخرج من هذا النفق؟ أم أن “الكونغو” محكومة بأن تظل ساحة حرب دائمة، يتغير فيها اللاعبون، لكن القواعد تظل كما هي؟

كل شيء في الكونغو يبدو كأنه خارج عن السيطرة: السياسة، الاقتصاد، الأمن، وحتى مصائر الأفراد. فالدولة التي يُفترض أن تحكم هذا البلد الشاسع لا تملك من السيادة سوى اسمها، بينما تتحكم الميليشيات المسلحة في شرق البلاد، وتفرض دول الجوار سياساتها، وتتدخل الشركات الكبرى بشكل غير مباشر لضمان استمرار تدفق المعادن الاستراتيجية إلى مصانعها.

فهل يمكن لدولة أن تُصلح نفسها إذا كان كل شيء فيها قد جرى ترتيبه ليظل معطوباً؟

منذ استقلالها عن بلجيكا عام 1960، عاشت البلاد على حافة الانفجار. فبعد اغتيال باتريس لومومبا، نزلت عليها لعنة الانقسامات، وبدا واضحاً ألّا أمل في استقرارها. حكم الماريشال موبوتو سيسي سيكو لعقود طويلة، لكنه لم يؤسس دولة بقدر ما أسّس ديكتاتورية قائمة على شراء الولاءات وإدارة البلاد كملكية خاصة، دون أي محاولة حقيقية لإرساء نظام مستدام. وعندما سقط موبوتو عام 1997، لم يكن سقوطه انتصاراً للديموقراطية أو بداية فجر جديد، بل مجرد انتقال للسلطة من طاغية إلى مجموعة من أمراء الحرب الذين دخلوا في صراع مرير على ثروات البلاد، فيما دفع المواطن العادي الثمن من دمه وحياته ومستقبله.

ليس من المبالغة القول اليوم إن الكونغو لم تعد دولة بالمعنى الحقيقي، بل مجرد مساحة جغرافية تتنازع عليها الميليشيات المسلحة، ودول الجوار، والشركات العالمية. في شرق البلاد، تدور معارك لا نهاية لها بين الفصائل المتناحرة التي تتلقى الدعم من رواندا، وأوغندا، وبوروندي، وكل طرف يزعم أنه يدافع عن قضية ما، لكنه في الحقيقة يقاتل من أجل السيطرة على المناجم والمعابر الحدودية.

تبقى حركة “M23” المدعومة من رواندا مجرد نسخة جديدة من هذا السيناريو المتكرر، حيث يتمرد فصيل مسلح، ثم يدخل في مفاوضات، ثم يحصل على تنازلات، قبل أن يعود للقتال من جديد.

إن المأساة الأكبر تكمن في أن الصراع ليس سياسياً أو عسكرياً وحسب، بل اقتصادي في جوهره. فالكونغو تمتلك موارد طبيعية لا تُقدر بثمن، من الذهب والكوبالت والنحاس والكولتان، التي تحتاجها الصناعات الحديثة في الغرب والصين. لكن بدلاً من أن تكون هذه الثروات نعمة على السكان، تحولت إلى لعنة تدمر حياتهم وتقلبها رأساً على عقب.

للأسف، لا توجد في الكونغو صناعة وطنية قادرة على الاستفادة من هذه الموارد، ولا حكومة قادرة على حمايتها، بل إن معظم هذه الثروات تُنهب بطريقة غير مباشرة عبر الميليشيات التي تعمل لصالح جهات خارجية، فتُهرّب المعادن من البلد لتصل إلى الأسواق الدولية بسلاسة مدهشة، وكأن الحرب لم تكن موجودة أصلاً. والأغرب أنه حتى عندما تُبذل محاولات لإرساء السلام، فإنها تبدو مجرد تمارين شكلية بلا جدوى.

 

يتحدث المجتمع الدولي كثيراً عن ضرورة استقرار الكونغو، لكنه لا يريد الخوض في جوهر المشكلة؛ إذ كيف يمكن إرساء الاستقرار في بلد لا تتحكم حكومته في أكثر من نصف أراضيه؟ وكيف يمكن الحديث عن إصلاح سياسي عندما تكون السلطة الحقيقية في أيدي أمراء الحرب والميليشيات؟

كل هذه الفوضى جعلت من الكونغو بلداً لا أمل في إصلاحه، على الأقل في المستقبل القريب. فالدولة ضعيفة وعاجزة عن فرض سيطرتها، والجيش منهك وغير قادر على مواجهة التهديدات، فيما تستفيد دول الجوار من استمرار الفوضى فيه أكثر مما ستستفيد من استقراره، ويتحدث المجتمع الدولي عن الحلول دون أن يرغب في المخاطرة بمصالحه الاقتصادية. والنتيجة: دوامة لا تنتهي من العنف، يعاني فيها الفقراء، ويستفيد منها تجار الحروب.

هل يمكن أن يتغير واقع الكونغو؟

ربما نظرياً، لكن عملياً، كل العوامل تدفع باتجاه استمرار الوضع الحالي. فما دامت هناك ميليشيات مستعدة للقتال، ودول مستعدة لتمويلها، وسوق عالمية مستعدة لشراء المعادن المنهوبة، فإن إسكات البنادق في الكونغو يبقى بعيد المنال.

ولئن كانت هناك أزمات تُحل، وهناك دول تنهض من كبواتها، فإن الكونغو ليست من بينها للأسف، لأنها ببساطة محاصرة بأطماع لا حدود لها، ومنهكة بصراعات لم يعد فيها غالب أو مغلوب، بل خاسر واحد هو الشعب الكونغولي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق