طرابلس والشمال اللبناني: بين الأزمات الأمنية وفرص النهوض الاقتصادي - ايجي سبورت

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
طرابلس والشمال اللبناني: بين الأزمات الأمنية وفرص النهوض الاقتصادي - ايجي سبورت, اليوم الخميس 27 مارس 2025 06:21 صباحاً

ايجي سبورت - عبدالمجيد الرافعي*

 

 

في ضوء زيارة رئيس مجلس الوزراء نواف سلام إلى طرابلس وعكار، يبرز السؤال الملحّ: كيف يمكن تحويل هذه المناطق من بؤر للأزمات إلى مراكز للنمو والازدهار؟

التدهور الأمني: نتيجة حتمية لأزمة اقتصادية عميقة

ليس فقدان هيبة الدولة وحده هو السبب في تفشّي الجرائم التي شهدتها طرابلس مؤخراً، بحجة نقص في عديد قوى الأمن الداخلي والجيش والمخابرات والمعلوماتية وأمن الدولة، بل إنّ السبب الأساسي يكمن في البطالة الفعلية والمقنّعة، والتسرّب المدرسي دون أي رقابة أو إكتراث جدي، سواء من الأهل أو من إدارة المدرسة. يضاف إلى ذلك حالات يمتنع فيها الآباء عن إرسال أولادهم إلى المدرسة، لإجبارهم على العمل في متجر، أو كبائعين متجولين، أو خدم في مطاعم ومقاهٍ، بسبب الحاجة الماسة إلى تأمين لقمة العيش، إذ إنّ دخل رب الأسرة اليومي لا يكفي لإطعام عائلته.

هذه العوامل وغيرها دفعت الفتيان والشباب إلى الهروب من واقعهم المأسوي عبر تعاطي المخدرات، ظنًاً منهم أنها وسيلة سريعة لنسيان معاناتهم ولو مؤقتاً. لكن سرعان ما يجدون أنفسهم غارقين في دوامة الإدمان، ما يجعلهم عرضة لارتكاب الجرائم بدم بارد لأتفه الأسباب. ومن هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى إنشاء مراكز متخصصة لمعالجة المدمنين نفسيًاً وصحيًاً، للحد من هذه الظاهرة وحماية المجتمع من تبعاتها الخطيرة.

النهوض الاقتصادي: الحل الجذري للأزمة

لا يمكن تحقيق الاستقرار الأمني دون حلول اقتصادية جذرية تضمن تأمين فرص العمل وتعزيز الإنتاج. وهنا تبرز أهمية البدء فوراً بتفعيل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الصادر عام 2017، والذي أثبت نجاحه في مشاريع مثل بنك الإسكان، وشركة كهرباء زحلة، وإدارة "ليبان بوست". بناءً على هذه النماذج، يمكن اعتماد استراتيجيات مماثلة لتحفيز الاستثمار في القطاعات التالية:

1. تشغيل مصفاتين جديدتين، إحداهما في منشأة النفط في طرابلس، والأخرى في الزهراني، يُذكر أن هذا النوع من الاستثمار ليس غريباً على الخبراء في تجارة المشتقات النفطية في لبنان والخارج.

2. إحياء المنطقة الاقتصادية الخاصة بطرابلس، التي كانت تحمل وعوداً كبيرة للنمو، لكنها تعطلت بسبب قرارات إدارية غير مدروسة.

3. إعادة تأهيل وتشغيل معرض رشيد كرامي الدولي، بما يعزز قطاع المعارض والسياحة.

4. إطلاق مشاريع البنية التحتية، مثل تأهيل مطار رينيه معوض في القليعات ومدّ سكك الحديد على امتداد الساحل اللبناني، انطلاقاً من الحدود السورية عند النهر الكبير، ما يسهل حركة البضائع والاستثمارات ويخفف الازدحام المروري الخانق.

5. إنشاء فندق سياحي من الدرجة الأولى على أراضٍ تابعة للدولة في طرابلس، لجذب الاستثمارات وتعزيز النشاط السياحي وخلق مزيد من فرص العمل. إن المشاريع القابلة للتنفيذ التي تمّ طرحها تمثّل السبيل الوحيد للخروج من المأزق الكبير الذي يعيشه أبناء طرابلس وبقية المدن والبلدات اللبنانية. وهي أيضاً الطريق المتاح حالياً للنهوض بلبنان وزيادة الناتج الوطني، ما يعزز القوة الشرائية لليرة اللبنانية، عبر تحسين إيرادات الدولة، من خلال نصيبها من الأرباح المحققة نتيجة شراكتها مع القطاع الخاص في مختلف المشاريع. ذلك أيضاً سيعزز تشجيع المغتربين اللبنانيين على الاستثمار في وطنهم، ما يدفعهم للعودة مع عائلاتهم وأصدقائهم اللبنانيين والعرب، بالإضافة إلى المهتمين من المستثمرين الدوليين. وبهذا، سنكون أمام وضع اقتصادي سليم، دون الحاجة إلى هدر مزيد من الوقت في مفاوضات غير مثمرة، كما حصل مع صندوق النقد الدولي، حيث استمرت المفاوضات لثلاث سنوات دون جدوى، لأن القرض البالغ ثلاثة مليارات دولار كان مشروطاً بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة. وبالتالي، يمكن الاستفادة فقط من بعض إرشادات الصندوق القيّمة عند الحاجة، بدلاً من استجداء القروض.

المشاريع المعطلة: أسئلة مشروعة حول مصير الأموال المرصودة

تجدر الإشارة إلى أنه قبل أربعة عشر عاماً، تم تخصيص مئة مليون دولار لتمويل مشاريع إنتاجية رائدة تهدف إلى تنشيط العجلة الاقتصادية في طرابلس وشمال لبنان، ما كان سينعكس إيجابياً على الاقتصاد الوطني ككل، من خلال مساهمتها في زيادة الناتج الوطني، الذي يمثل مجموع قيم السلع والخدمات المنتجة في لبنان خلال عام واحد. إلا أن معظم هذه المشاريع لم يرَ النور. على سبيل المثال:

· مشروع المنطقة الاقتصادية الخاصة: بدأ العمل به تحت إشراف الوزيرة السابقة ريا الحسن، واضعةً خطة لتسريع العمل والوصول إلى بدء النشاط الاقتصادي في المنطقة المقتطعة من حرم مرفأ طرابلس، والتي تخصّ حصرياً المنطقة الاقتصادية. لكن تعيينها لاحقاً وزيرة للداخلية أوقف المشروع، ما حرم طرابلس والشمال من فرص تشغيل آلاف المواطنين.

· مشروع مدّ سكة الحديد من طرابلس إلى الحدود السورية: رُصد لهذا المشروع مبلغ 35 مليون دولار، وهو من المشاريع الحيوية التي كان من المفترض أن تعود بفوائد كبيرة على الاقتصاد اللبناني. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يُنجز هذا المشروع؟ وأين ذهبت الأموال المرصودة له؟ إذ كان يمكن لهذا المشروع أن يسهم في زيادة الناتج الوطني اللبناني، ويوفر مئات فرص العمل.

· مشروع تشييد مركز تجاري مميّز على شكل سرايا طرابلس القديمة في ساحة جمال عبد الناصر، بكلفة 24 مليون دولار، لكنه لم يُنفّذ. ويبقى السؤال قائماً: أين ذهبت المبالغ المرصودة له؟

· مشروع بناء معمل كهرباء جديد في دير عمار، رُصد لهذا المشروع مبلغ خمسمائة مليون دولار، من أصل مليار ومائتي مليون دولار كان المجلس النيابي قد وافق على صرفها لإنشاء ثلاثة معامل كهرباء متطورة في الجيّة وزوق مصبح ودير عمار. تم إنجاز معملي الجيّة وزوق مصبح عام 2016، ولكن لم يُباشر ببناء معمل دير عمار حتى الآن، على الرغم من أن المستفيد من إنتاجه سيكون جميع اللبنانيين، وفق التوزيع المناطقي الذي تعتمده شركة كهرباء لبنان. والسؤال المطروح: أين ذهبت الأموال المرصودة لإنشائه؟

إن غياب المحاسبة حول هذه المشاريع يثير التساؤلات حول كيفية إدارة الأموال العامة، ويؤكد الحاجة إلى رقابة صارمة لضمان تنفيذ المشاريع التنموية بدلًا من إهدارها في دوامة البيروقراطية والفساد.

درء الفتنة وتحقيق الاستقرار

من خلال معايشة الواقع مع أهالي طرابلس وعكار وجبل محسن، يتضح أن لا أحد يريد إشعال الفتنة، بل الجميع يطمحون إلى العيش بكرامة. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب تنفيذ المشاريع الإنتاجية المذكورة أعلاه، لأن الاستقرار الاقتصادي هو مفتاح الاستقرار الأمني والاجتماعي. وعندما تتوفر فرص العمل، سينشغل الشباب بالإنتاج بدل الانجرار إلى العنف.

إنّ مستقبل طرابلس والشمال اللبناني لا يمكن أن يُبنى على الوعود الفارغة كما كان سالفاً، بل على تنفيذ مشاريع حقيقية تعيد الأمل إلى هذه المناطق، وتحولها من بؤر للأزمات إلى محركات للنمو والازدهار.

*خبير في التنمية الدولية

 

-المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق