الذكاء الافتراضي وسؤال الإبداعية - ايجي سبورت

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الذكاء الافتراضي وسؤال الإبداعية - ايجي سبورت, اليوم الأحد 30 مارس 2025 06:47 صباحاً

ايجي سبورت - الدكتور جورج كلّاس 

ينفتح الكلام في إشكالية المقارنة المحورية بين ثلاثية "الذكاء الاصطناعي والإجابات الافتراضية والتفاعل التبادلي"، على  مقدمات  تساؤلية واسعة  تعكس اهتمام  المجتمعات  المتزايد  بهذا الموضوع  المستجد، وتهدف إلى  تحديد  بعض المفاهيم العلمية وتقويم  دلالاتها وطرائق استخدامات هذا الذكاء بأنماطه الفطرية والاصطناعية والافتراضية، في مختلف المجالات العلمية، سعياً للوصول إلى توضيحاتٍ واعتماد تحديدات وإزالة التباسات حول مدى مواءمة الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسانية من دون الحد من فاعلية وقيمة ودور الذكاء الإنساني الفطريّ والمُكتَسَب والمتراكم معرفياً بالعلوم والتخصصات والبحوث  والخبرات...

الكلام العمقي و المتخصص في هذا الإطار يطرح  قضية ركيزية عنوانها: "الذكاء الاصطناعي وسؤال الإبداعية"، علاقة التكاملات والتمايزات.

تتظَّهرُ انشغالات هذا الموضوع الدقيق علمياً  وحضارياً على إضمامة من المواضيع الفكرية الساخنة، التي تتطلَّبُ قدراتٍ مجهودةً لمقاربة كيفية الإفادة من "الذكاء الاصطناعي في التعليم و تشجيع الابتكار"، مع الحرص على الإبداعية الملازمة للإنسان، خلقاً واختراعاً وتفنّناً ومبادرات، انطلاقاً من معادلة، أن الذكاء الاصطناعي، يستجيبُ لأسئلة، لكنه لا يقدم مبادرات!

 

فهل هذا الذكاء المُصَنَّع قادرٌ على أن يبادر؟ نهتم أن نسأل معاً: كيف ننمّي الذكاء الفطريّ والذكاء الطبيعي ونمكِّنُ هاتين الموهبتين لأن يتكاملا مع الذكاء الاصطناعي كعنصر مساعد لهما وليس كبديل عن العقل البشري؟

 

في تناول إمكانات الذكاء وتحديات التخصصات الأكاديمية، وصعوبات التمايز والتألُّق وتقوية القدرات التنافسية بين المتخصصين، يحضر السؤال المحوري: أي دورٍ للذكاء الاصطناعي في تعزيز مستقبل إنسانية الإنسانية؟ وفي تحصين التمايزٍات والفوارق بين الذكاء الطبيعي و الذكاء الافتراضي والاصطناعي؟

 

يتركز "الهدف الأساسي" من التعليم، على تنشئة أجيال قادرة على القيام بأعمال جديدة ومتمكنين من أن يطوروا ويُحدِّثوا ويزيدوا على ما عرفوه ، لا أن يقدموا تكرارات لما أنتجته الأجيال السابقة. الهدف هو بناء أجيال شبابية قادرة أن تبدع وتبتكر وتكتشف… وأن يخترع المستقبل. إنه الذكاء الخلاق.

 

الهدف الثاني من التعليم هو "تكوين العقول"، وتغذية القدرات الذهنية لتصبح عقولاً مالكةً القدرةَ على النقدِ والتذوّق والتقويم والتحقّق من كل ما تسمع وترى وتقرأ وتقترح وتبادر، لا أن تكون وسائط للنقل المعرفي ووسائل للتداول العلمي.

 

فهل يسبّب الذكاء الاصطناعي "الإدمانية" على الاستعانة، و "الاتكالية" على المعلومات المجهزة ويؤدي إلى التكاسل؟ ويخفّف ذلك من الاندفاعية نحو الإبداع والابتكار، أو يبقينا في وقوفية موصوفة، ودائرة زمنيّة مغلقة؟ هل يرقى الذكاء إلى المستوى الإبداعي الأدبي والوجداني، شعوراً وتفكيراً ووضع حلول؟ فمنْ يقودُ منْ؟ الذكاء الاصطناعي أم الفطري؟ وما هي مسببات فورة انطلاق الذكاء الاصطناعي وشيوع الاحتفاليات حوله باندفاع وتسابق؟ وهل يحل الذكاء الاصطناعي محل الذكاء الفطريّ والطبيعي، وفي أي مجال؟

 

تنسلُّ عن هذه التساؤلات عناوين بحثية، ركيزتها: الذكاء الاصطناعي والنوعية! الذكاء الاصطناعي والقيم الأخلاقية! الذكاء الاصطناعي والتعاليم الروحية الذكاء والتقاليد الاجتماعية الذكاء وقضية الانتماء والالتزام!

 

الذكاء كمشاع مفتوح إلى أي مدى يشكل عنصراً مساعداً للإنسان؟ أم أنه يحمل أخطاراً على البشرية؟ أي دورٍ للذكاء الاصطناعي في تفعيل الذكاء الطبيعي وتنميته، من حيث إنه عملية تطورية ولحظية واسعة ودائمة النمو؟ ماذا بعد الذكاء الاصطناعي؟ البشرية إلى أين ؟ و ما هي التأثيرات السلبية للذكاء الاصطناعي على الاقتصاد والبطالة وفرص العمل؟ والسؤال الذي يلحُّ أكثر هو: كيف تتم عملية ردم الهوة بين عدد الوظائف والتخصصات التي ستختفي، أو سيتم الاستغناء عنها بسبب ظاهرة أو عصر الذكاء الاصطناعي ،مقارنة بالوظائف الجديدة التي ستنشأ مع هذا تقعيد هذا النمط من الذكاء ؟ و هل من خوف أن يحلَّ جيل الروبوتات جزئياً محل المجتمع البشري؟ تطرحُ أيضاً مشكلة غياب (ميزة التمايز ) ،التي هي شبيهة بالبصمات الانسانية. فمع تصنيع الذكاء لن يعود هناك فرادة. بمعنى أن أيَّ جوابٍ اصطناعي عن أسئلة افتراضية أو واقعية قد يكون طبق الأصل . عندها ستفتقد النوعية الإبداعية ويموت الفكر . ثم ماذا عن البطالة التخصصية؟ هل إن تنامي موجة الذكاء الاصطناعي ستفرض نفسها بقوة على المقررات والبرامج المدرسية وننتقل إلى أنماط ورؤى جديدة من المناهج؟ وهل ستضعف إختصاصات لتحل مكانها اختصاصات جديدة؟ هل سيتم الاعتراف بمفاعيله الاكاديمية والاعتماديّة رسمياً؟ مَنْ يراقب { معايير الجودة} في تعليم ونتاجات الذكاء الاصطناعي؟ً هل من قيم يهددها؟ التحدي الأكبر هو؛ كيف نستخدمه للخير العام وتقدم البشرية ورفاهيتها؟ هل هو ذكاء مادي لا مكان للعاطفة والشعور فيه؟ هل مؤسساتنا التعليمية والجامعية مؤهلة لاستخدام الذكاء الاصطناعي

ولتعليمه؟ وهل من جهاز أكاديمي مؤهل لذلك ، وكيف تتأهل لهذا العصر؟ هل الجامعات ستتقدم بطلبات اعتماد لادخال الذكاء الاصطناعي إلى برامجها ومناهجها التخصصية؟ ما هو موقف النقابات المنظمة بقانون. من إنشاء اختصاصات دقيقة تعتمد الذكاء الاصطناعي ضمن الاختصاص العام ، للجامعات رأيها الصلب في تحديث وتغيير مناهج التخصص التي تسمح بالحصول على اذن مزاولة المهنة؟ هل الجامعات تدرس إمكان تأسيس اختصاص اكاديمي عنوانه ( الذكاء الاصطناعي) ويتفرع منه إختصاصات تحاكي الاختصاصات التقليدية؟ الانسانية ستتحول من منتج للذكاء الطبيعي إلى مستهلكٍ لمنتوجات هذا الذكاء ، ومنها إلى إدارة الذكاء؟ هل يمكن إدارة منتجات الذكاء كمثل إدارة المعلومات؟ أخطر التساؤلات الواقعية حول الاشكالية الافتراضية التي يطرحها عنوان هذا الموتمر العلمي ، هي ( منْ يحمي مستهلك الذكاء الاصطناعي )؟ تماثلاً مع حماية المستهلك الغذائي؟ كلُّ نشاط ذهني يبقى من دون تطوير وإدخالات واضافات ، يصبح من التراث . في هذا الواقع الجدلي نسأل : ما هي ظروف ومعايير ومحاذير توظيف هذا النمط من الذكاء في التشريع ؛ فهل بإمكان هذا الذكاء مثلا ان يقترح او يضع مشاريع قوانين ويناقشها؟ هل ممكن تقديم مشروع موازنة معدة ببرنامج ذكاء وإفتراض نقاشات حولها من نواب افتراضيين؟ ومنه إلى القانون والدستور والاجتهاد التعليم والإختصاص وإستخداماته في القطاعات الصحية والزراعية والصناعية والاقتصادية والبحوث العلمية! وأي رؤية للدولة من اعتماد الذكاء الاصطناعي في الإدارة؟

 

في بلد تكاملي الصيغة، وهذا مصطلح قعَّده الفكر الحواري اللبناني، للدلالة على لبنان الذي يتكاملُ بقيم وأخلاقيات أهله وبما يمثله من قيم حضارية وإنسانية وتراثية متفاعلة، علينا أن نطرح ونتفاعل: كيف يخدم الذكاء الاصطناعي إرادة الحوار والرغبة بالتلاقي ووضع استراتيجية لبناء الأفكار والجسور بين الجماعات؟

 

هذا الموضوع الذي يحمل تحديات تربوية ومجتمعية حادة، يطرح بتبنيه ومحاوره وعناوينه المهنية والتربوية والتخصصية، تحدياً بحثياً دقيقاً، يؤصّل ويقارن ويوازن، ويحمل تطلعات جادة لبناء مستقبل علمي ينفتح على انشغالات تخصصية واسعة. والجامعات، بدورها الأكاديمي والتوجيهي والعلمي والاستشاري، تشكل الصرح الأكاديمي المؤهَّل لحماية الإبداع والفكر التحديثي، بالتشارك مع اختصاصيين يتمتعون بصدقية الثقة لمواكبة كل مستجد علمي والانتهاء إلى خلاصات بحثية تثري وتفيد، وتقدم خدمة للأجيال والخير العام والإنسانية. وهذا ما يُحرِّضُ على التفكير بمستقبل الإنسانية، وماذا بعد الذكاء الاصطناعي؟

 

كل التمني للجامعات والصروح التربوية ومراكز البحوث بالنجاح في هذه المهمة الحضارية الحاملة التحدي والوصول إلى عملية رصد دقيقة للمتغيرات التي تفرض نفسها على الواقع التحديثي في العلم والتعليم والتخصص.

 

إن دقة القضايا التي يطرحها "الذكاء الاصطناعي" في المجال التربوي والإداري والوطني والإنساني، يستوجبُ تأكيد الجهوزية الدائمة الاستعداد لمتابعة مسيرة التألق، وإثباتِ القدرة على إستئناف الحضارة... وقَفلَةً الكلام ِ في هذا المحور الذي تتنامى الاهتمامات به، على الصعيد المحلي والعالمي، من شأنه أن يُحْدِثَ تَغيبراتٍ إيجابية ودقيقة في مسار التعامل مع "معايير الجودة" ومدى القدرة على اعتمادها في مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي، خصوصاً على مستوى الواجبات التي يفرضها على واقع ومستقبل النقابات القانونية ذات الشخصية الكيانية ودورها التنظيمي والرقابي، على مستوى الممارسة كما على صعيد التحقق من قانونية ورصانة وكيانية كل مؤسسة أكاديمية من حيث الإشراف الواجب والتأكُّد من قانونية ورصانة المؤسسات الاكاديمية وعلاقاتها الاعتمادية مع مؤسسات وجامعات عالمية عريقة وذات رصيد أكاديمي جاد، إضافةً إلى حق النقابات من إبداء الرأي الأكاديمي والمهني التخصصي بالمقررات والمناهج النظرية والتطبيقية التي تمكِّنُ المتخصص من بناء شخصيته العلمية والمهنية والإسهام بالتطوير والتقدم. من خلال اعتماد الذكاء الاصطناعي كعنصر مساعد في عملية التمكين والتحديث وتوظيفه لخدمة الذكاء الإنساني لا للحلول مكانه.

 

هذه التساؤلات تطرح مُشكلة العلاقة بين "الذكاء الإنساني" ومسوؤلية تنميته، والذكاء الاصطناعي وكيفية استثماره لخدمة العلم والتربية وحماية القيم وخدمة الإنسان...

الأخطر من الترويج الأعمى لهذا النمط من التفكير المعلّب والمعلومات. المركبة ، هو تعظيم الاحتفالية التسويقية التي تقوم بها بعض الجامعات والمؤسسات التربوية التي تعظم شأن الذكاء الاصطناعي للاستغلال الاستثماري وإظهار مواكبتها لحُمّى العصر، وإدخاله في سياق الاعتمادات والاعترافات الاكاديمية...

والسؤال الذي يُلِح أكثر الآن هو: مَنْ يحمي الأجيال من هذه الظاهرة غير المقوننة بعد؟ ومَنْ يراقب جودتها، في الوقت الذي لم يصدر حتى الآن "قانون حماية جودة التعليم"؟ وكيف العمل للحفاظ على عراقة الفكر والإبداع وحماية الرصانة العلمية وعدم تسليع المعرفة؟

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق