"الأسطوات": فرسان كلمات أغاني الزمن الجميل بين الحقيقة والوهم - ايجي سبورت

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"الأسطوات": فرسان كلمات أغاني الزمن الجميل بين الحقيقة والوهم - ايجي سبورت, اليوم الاثنين 31 مارس 2025 08:38 صباحاً

ايجي سبورت - هل كان ما يسمى "الزمن الجميل" بالفعل عصر الازدهار الحقيقي للأغنية العربية، أم أن الحنين إليه جعلنا نغفل عن تحدياته ونقاط ضعفه؟ بين سحر الكلمة وعبقرية اللحن، صاغ شعراء ذلك العصر مزيجاً فنياً فريداً، ترك بصمته الخالدة في الوجدان العربي. لكن ما السر الذي جعل هذه الأغاني تصمد في وجه الزمن، محتفظة بسحرها رغم تغير الأذواق والأساليب؟ وهل لا تزال معايير ذلك الزمن صالحة لتقييم الأغنية المعاصرة، أم أن الفن، بطبيعته، خاضع لتحولات تفرضها روح العصر؟

في كتابه "الأسطوات"، الصادر عن "دار ريشة للنشر والتوزيع"، يأخذنا ميسرة صلاح الدين في رحلة خلف الكواليس، حيث يقف شعراء الأغنية الذين لطالما توارت أسماؤهم خلف الأضواء، رغم أنهم حجر الأساس في بناء المجد الغنائي للأجيال الماضية. يكشف الكتاب الستار عن هؤلاء المبدعين الذين أجادوا تطويع اللغة وصوغ المشاعر في أبيات خُلّدت على ألسنة الجماهير، ومع ذلك، لم ينالوا من الشهرة بقدر ما نالت أعمالهم.

 


بطرحٍ يجمع بين الدقة الأكاديمية والسرد الأدبي الشيق، يعيد الكتاب رسم المشهد الغنائي العربي، محلّلًا مسيرة الشعر الغنائي، وتطوره، وتأثيره المستمر في الذائقة الفنية. إنه ليس مجرد استعراض لسير الشعراء، بل قراءة عميقة في كيفية تشكُّل الهوية الموسيقية العربية، ما يجعله إضافةً جوهريةً إلى الدراسات الموسيقية والأدبية، ومرجعاً ثرياً للباحثين وعشاق الفن الأصيل.

ينطلق الكتاب في رحلة توثيقية شيقة عبر تاريخ الأغنية العربية، متتبعاً تطوراتها منذ اعتمادها على الزجل والفولكلور الشعبي، وصولاً إلى أشكال أكثر حداثة. في هذا السياق، يرصد كيف ساهم شعراء بارزون في صوغ ملامح الأغنية الحديثة، مثل بديع خيري، ومأمون الشناوي، وحسين السيد، وفتحي قورة، وحسن أبو عتمان، وعصام عبد الله، الذين استطاعوا نقل الأغنية من البساطة التقليدية إلى مستويات أكثر عمقاً وتعقيداً، تعكس الأبعاد النفسية والاجتماعية لمجتمعاتهم. كما يتناول الكتاب إشكالية العلاقة بين التراث والتجديد في الأغنية العربية، موضحاً كيف نجح هؤلاء الشعراء في المزج بين الأصالة والمعاصرة.

يظهر ذلك بوضوح في ثنائيات خالدة جمعت بين الشعراء والملحنين، مثل مأمون الشناوي وفريد الأطرش، وحسين السيد ومحمد عبد الوهاب، وفتحي قورة ومنير مراد، وعبد الرحيم منصور وبليغ حمدي، إذ أنتجت هذه الشراكات أعمالًا لا تزال تُردد حتى اليوم، ما يعكس عمق التأثير الذي تركته هذه الأسماء في المشهد الغنائي العربي. كما يستعرض الكتاب تأثر النصوص الغنائية العربية بالموسيقى العالمية، والتطورات الأسلوبية التي طرأت على الشعراء خلال رحلتهم الإبداعية، وانتقالهم من الكلاسيكية إلى الأساليب الغنائية الحديثة.

 


لا تقتصر أهمية الكتاب على كونه تأريخاً للأغنية العربية، بل لأنه يبرز الدور المحوري للشاعر في تشكيل العمل الغنائي، إذ لا تقتصر مهمته على كتابة الكلمات، بل تشمل رسم ملامح التجربة الشعورية التي تصل إلى الجمهور. فالكتاب لا يكتفي بعرض المعلومات، بل يقدم تحليلات نقدية تبرز الجوانب الفنية والجمالية للنصوص، موضحاً تأثيرها العميق في الجمهور. كما يسلط الضوء على دور الأغنية العربية في التعبير عن قضايا سياسية واجتماعية مهمة، كما كان الحال في أغاني ثورة 1919 وأغاني ستينيات القرن العشرين الحماسية.

ومن بين العناصر المميزة التي اعتمد عليها الكاتب، الحوارات والتصريحات التي أجراها عدد من الشعراء والمؤرخين الموسيقيين، والتي تكشف عن خفايا الصناعة الموسيقية، والتحديات التي تواجه الكلمة الغنائية في العصر الحديث. هذه الحوارات لا تكتفي بتقديم معلومات توثيقية، بل تسلط الضوء على تجارب هؤلاء المبدعين، ما يجعل القارئ أكثر قرباً من تفاصيل رحلتهم الفنية.

سيد درويش وبديع خيري: لقاء غيّر مسار الأغنية المصرية
لم يكن لقاء سيد درويش وبديع خيري مجرد مصادفة، بل كان نقطة تحوّل في تاريخ الأغنية المصرية. يستعرض الكتاب هذا اللقاء الأول الذي جمع بينهما، مسلطاً الضوء على تفاصيله كما وردت في مذكرات نجيب الريحاني ومقالاتٍ منشورة لبديع خيري يروي فيها كيف نشأت هذه الشراكة الإبداعية التي أثمرت  أعمالاً خالدة شكّلت هوية المسرح الغنائي المصري.

 وورد في "الأسطوات": "كان التعاون الأول بين بديع خيري ونجيب الريحاني متمثلاً في عرض مسرحي بعنوان "على كيفك"، ولاقى نجاحاً كبيراً، ثم توالت الأعمال بينهما، وشعر كلاهما بالرضا عن النتيجة التي وصلا إليها، ولم يكن هناك أي سبب يدعو إلى التغيير أو التطوير. كانت التجربة تعتمد على عروض مسرحية خفيفة الظل، تتخللها مواقف كوميدية نابعة في أغلب الأحيان من دراما الموقف، بالإضافة إلى فواصل غنائية واستعراضية جذابة قد تكون موظفة لخدمة الدراما، وقد لا تكون لها علاقة مباشرة بأحداث العرض المسرحي. واستمرت العروض على هذه الوتيرة حتى حدث انقلاب موسيقي في شارع عماد الدين، وذلك عندما قدم جورج أبيض عرضاً مسرحياً بعنوان "فيروز شاه"، من ألحان فنان صاعد آنذاك يُدعى سيد درويش، فطلب نجيب الريحاني من بديع خيري أن يذهب لمشاهدة العرض ويحاول التعرف إلى سيد درويش".

مرسي جميل عزيز: فتوة الأغنية
وفي موضع آخر من الكتاب، ورد تصريحٌ لمرسي جميل عزيز خلال سهرة إذاعية مفتوحة مع الإعلامي طاهر أبو زيد، تلاه تحليلٌ لأحد مواويله وأغانيه، حيث تم إبراز خصائصه الفنية التي ميّزت أعماله وجعلته أحد رواد الشعر الغنائي.

"في أساتذة كبار سابقين بس أغانيهم كانت هشة قوي مكانش فيها أصالة فدخلت أنا اتعفونت زي الفتوة اللي ماسك شومة وداخل فرح بيثبت وجوده".

ويمكن أن نجد الكثير من الأمثلة في أعمال مرسي جميل عزيز، إذ كان يتعمّد استخدام أساليب صعبة في الكتابة، وخصوصاً في بداياته الأولى، مستلهماً من فنون الموال ذات الجناس التام في اللفظ والاختلاف في المعنى. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الموال الذي غنّاه محمد قنديل في مطلع أغنية "جميل وأسمر":
"لولا الملامة والكلام يا حلو لاندهلك 
وإن كان غرامك هلاك، راضي وبدي أهلك
 واللي حرمني منام النوم واداهلك 
لو قالي مهرك نجوم الليل أنا راضي
 يا غالي عندي وعند الناس وعند أهلك"
فنجد "هلك" استخدمت أربع مرات في الموال الأولى "لاندهلك" بمعنى النداء والثانية "اهلك" بمعنى الموت والفناء والثالثة "اداهلك" بمعنى المنح والعطاء واستخدمت "اهلك" في نهاية الموال بمعني العائلة، وهي استخدامات تدل إلى قوة وقدرة لغوية مستوحاة من فنون شعبية كانت منتشرة في أعراس الصعيد والدلتا.

 


 "الأسطوات" ليس مجرد تأريخ لمسيرة شعراء الأغنية نجح من خلاله مؤلفه ميسرة صلاح الدين في النفاذ إلى سيرة  شعراء الاغنية وأعمالهم بعمق وبراعة، بل هو شهادة على دور الكلمة في تشكيل الوجدان الجمعي. إنه دعوة إلى إعادة النظر في أهمية هؤلاء المبدعين، الذين كتبوا بأقلامهم أحلام الأجيال، وحفروا أسماءهم في سجل الفن الخالد. لكل محب للأغنية العربية، ولكل باحث عن قصص الإبداع الحقيقي، يقدم "الأسطوات" تجربة غنية تستحق الاستكشاف.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق