نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل تعزز رسوم ترامب الجمركية الاستثمار في داخل الولايات المتحدة؟ - ايجي سبورت, اليوم الاثنين 31 مارس 2025 08:38 صباحاً
ايجي سبورت - في عالم الاقتصاد المتقلب، تبقى الولايات المتحدة واحدة من أبرز الوجهات الجاذبة لرؤوس الأموال العالمية، إذ تحتضن أكبر سوق استهلاكية في العالم، تستحوذ على ما يقرب من 30 في المئة من الإنفاق العالمي، وتملك أكبر مخزون من الاستثمار الأجنبي المباشر بما يناهز خمسة تريليونات دولار. لكن، هذه الجاذبية لا تعني أن الطريق إلى الاستثمار في أميركا معبّدة دائماً، ولاسيما في ظل النزعة الحمائية التي يتبناها الرئيس دونالد ترامب، ويعوّل فيها على رفع الرسوم الجمركية كأداة للضغط على الشركاء والمنافسين التجاريين، وكوسيلة لإعادة عجلة التصنيع إلى الداخل الأميركي.
في ولايته الأولى، فرض ترامب رسوماً جمركية على آلاف المنتجات بلغت قيمتها نحو 380 مليار دولار خلال عامي 2018 و2019، ما أشعل حرباً تجارية مع الصين والاتحاد الأوروبي وكندا، ودفع هذه الأطراف إلى الرد برسوم انتقامية أضرت بالصادرات الأميركية. واليوم، يصعّد ترامب هذه السياسات، ملوّحاً برسوم شاملة قد تطاول واردات بقيمة تفوق تريليون دولار، وستتجاوز 1,4 تريليون دولار مع انتهاء الإعفاءات المؤقتة لكندا والمكسيك في نيسان (أبريل) المقبل، بحسب مجلة "الإيكونوميست".
وفيما يرى ترامب أن هذه السياسات ستجبر الشركات الأجنبية على نقل إنتاجها إلى الولايات المتحدة، وستغذي الخزينة العامة بعوائد الرسوم المفروضة، تشير نتائج دراسة حديثة صادرة عن "مؤسسة الضرائب" البحثية الدولية التي تتخذ من واشنطن مقراً إلى صورة مغايرة تماماً. تقدّر الدراسة أن الرسوم التي فرضها ترامب بموجب "قانون الصلاحيات الاقتصادية في حالات الطوارئ الدولي" والمادة 232 من "قانون التوسع التجاري"، ستؤدي إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة 0.4 في المئة، وإلى خفض ساعات العمل لدى من يشغلون 309 آلاف وظيفة بدوام كامل، وذلك قبل احتساب آثار الرسوم الانتقامية التي تفرضها دول أخرى.
ولم تكن إدارة الرئيس جو بايدن بمنأى عن هذه السياسات، إذ أبقت على معظم الرسوم التي فرضها ترامب في ولايته الأولى، بل وأضافت إليها في أيار (مايو) 2024، حين أعلنت عن زيادات جمركية جديدة على منتجات صينية بقيمة 18 مليار دولار، شملت أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية. وتشير تقديرات "مؤسسة الضرائب" إلى أن الحروب التجارية التي بدأت عام 2018 وتستمر حتى اليوم، ستفضي إلى تقليص الناتج المحلي الإجمالي الأميركي في الأجل البعيد بنسبة 0.2 في المئة، وإلى خفض حجم رأس المال بنسبة 0.1 في المئة، وفقدان نحو 142 ألف وظيفة بدوام كامل. أما الأثر الأوسع، فيتمثل في ارتفاع الأسعار وتراجع الإنتاج والتوظيف، ما يضع مجمل هذه السياسات في خانة التداعيات السلبية الصافية على الاقتصاد الأميركي.
رغم ذلك، شهدت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أميركا نمواً كبيراً في السنوات الخمس الأخيرة، إذ قفزت الاستثمارات المخصصة لبناء مصانع جديدة من 97 مليار دولار في 2019 إلى 231 ملياراً في 2024، وهذا رقم قياسي. غير أن هذا الازدهار لم يكن نتيجة للسياسات الجمركية، بل بفعل الحوافز السخية التي قدمتها إدارة بايدن، من إعفاءات ضريبية وتمويلات ضخمة لتشجيع إنشاء مصانع لأشباه الموصلات والطاقة النظيفة. أما ترامب، فيفضل العصا على الجزرة، ويراهن على فرض الضرائب لدفع الشركات نحو الإنتاج داخل أميركا.
يطرح نهج ترامب تحديات كبيرة أمام شركات أجنبية تعتمد على السوق الأميركية كمصدر رئيسي للإيرادات، لكنها لا تملك وجوداً إنتاجياً كبيراً فيها. يظهر تحليل أجرته "إيكونوميست"، شمل 100 من أكبر الشركات غير الأميركية، أن أربع مجموعات صناعية تُعَدّ الأكثر عرضة إلى الخطر: شركات العقاقير مثل "نوفو نورديسك" و"روش" التي تحقق أكثر من 40 في المئة من مبيعاتها في أميركا، في مقابل إنفاق أقل من 30 في المئة من تكاليفها فيها؛ وشركات الإلكترونيات مثل "تي إس إم سي" و"سامسونغ"؛ وعمالقة الرفاهية الأوروبية مثل "إل في إم إتش"؛ إلى جانب شركات السيارات الأجنبية التي يختلف حجم انكشافها بحسب حجم مصانعها داخل أميركا.
رداً على هذه السياسات، بدأت بعض الشركات فعلياً في نقل جزء من إنتاجها إلى الأراضي الأميركية لتفادي الرسوم أو على الأقل التخفيف من أثرها. شركة "تي إس إم سي" التايوانية، وهي أحد أكبر منتجي الرقائق الإلكترونية في العالم، رفعت استثماراتها المخطط لها في أميركا من 60 مليار دولار إلى 165 ملياراً خلال الفترة 2020–2030، وتشمل هذه الاستثمارات ثلاثة مصانع جديدة، ومرافق تغليف، ومركزاً للبحث والتطوير. ووفق مصرف "مورغان ستانلي"، سيدفع فرض رسوم بنسبة 100 في المئة على رقائق "تي إس إم سي" المستوردة من تايوان سعرها إلى مستوى يفوق كلفة تصنيعها في مصنع الشركة بولاية أريزونا، ما يعزز الجدوى الاقتصادية للنقل.
أما شركة "سي إم إيه سي جي إم" الفرنسية للنقل البحري فقد أعلنت عن استثمار بقيمة 20 مليار دولار في أميركا خلال السنوات الأربع المقبلة، وتخطط شركة "سيمنز" الألمانية لبناء مصنعين في كاليفورنيا وتكساس بكلفة 285 مليون دولار، فيما أعلنت شركة "أساهي" اليابانية للمشروبات عن توسيع مصنعها في ولاية ويسكنسن، وأكدت شركات سيارات كبرى مثل "هوندا" و"مرسيدس-بنز" و"ستيلانتيس" عزمها على تعزيز الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة.
غير أن هذه الاستثمارات لم تُترجَم إلى تفاؤل متّسق في الأسواق، إذ أظهرت أسهم نصف الشركات الست الكبرى التي أعلنت عن مشاريع جديدة أداءً أفضل من مؤشرات القطاع بعد الإعلان، بينما تراجعت أسهم النصف الآخر. وبما أن عمر الأصول الصناعية يمتد في الأغلب لعقود من الزمن، فإن ارتباط هذه القرارات بسياسة ترامب يجعلها رهينة التقلّبات السياسية، ما يضيف عنصراً من المخاطرة البعيدة الأجل.
هذه المؤشرات، بحسب ما ورد في تحليل "إيكونوميست" ودراسة "مؤسسة الضرائب"، تؤكد أن الرسوم الجمركية وحدها لا تكفي لجذب الاستثمارات الأجنبية. فالشركات تبحث عن بيئة تنظيمية مستقرة، وبنية تحتية فاعلة، ونظام قانوني واضح. وعد ترامب خلال حملته بتقليص الإجراءات البيروقراطية التي تعيق التصنيع، وهي خطوة قد تكون أكثر أثراً من أي ضرائب جمركية.
في المحصلة، قد تدفع رسوم ترامب بعض الشركات إلى تسريع وتيرة توطين إنتاجها في أميركا خوفاً من العقوبات أو رغبة في حماية حصصها السوقية، لكنها قرارات مؤقتة في الأغلب، وقد تتبدل بتبدل الإدارة. لذلك، يبقى أثر الرسوم في جذب الاستثمارات محدوداً، ومفتوحاً على احتمالات معاكسة.
0 تعليق