النساء العاملات في الزراعة: تعبٌ مشترك وأجر غير متكافئ - ايجي سبورت

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
النساء العاملات في الزراعة: تعبٌ مشترك وأجر غير متكافئ - ايجي سبورت, اليوم الاثنين 31 مارس 2025 10:08 صباحاً

ايجي سبورت - أنديرا الشوفي - باسل أبو صعب 

 

في الحقول اللبنانية الممتدة، حيث تتداخل مواسم الزرع والحصاد مع إيقاع الحياة اليومية، تقف النساء جنبًا إلى جنب مع الرجال، يبذلن جهدًا مضاعفًا مقابل أجر لا يعكس تعبهن. بين قطف المحاصيل، تعبئة الأكياس، وتنظيف الأرض، تعمل النساء لساعات طويلة في ظروف مناخية قاسية، ورغم ذلك، لا تزال أجورهن أقلّ من أجور الرجال، تحت ذرائع تتراوح بين الاختلاف في طبيعة المهام والخبرة المكتسبة.
"نحن نعمل، لكن الرجال لا يرون مجهودنا، بل يركّزون فقط على ما أنجزوه، ويعتبرون أنهم بذلوا جهدًا أكبر"، هكذا وصفت إيمان ابنة الـ 19 عاماً حالها، وتقول "أعمل في الزراعة منذ حوالي خمس سنوات، تحديدًا في زراعة البطاطا والبصل وغيرها من المحاصيل. حاليًا، يتركّز عملي في "الزرّاعة"، حيث أقوم بزراعة البطاطا، وفي أيام القلع أعمل في تعبئتها، أما في حال عدم وجود عمل في التعبئة، فأقوم بخياطة الأكياس".
وتضيف أن "العمل متعب ويتطلب مجهودًا جسديًا كبيرًا، وأجور النساء متدنية جدًا، حيث تعمل النساء بين 7 و10 ساعات يوميًا، وفي بعض الأيام تعملن 5 ساعات فقط، ليتقاضين 300 ألف ليرة يوميًا. أما الرجال، فمنهم من يتقاضى 10 دولارات، ومنهم من يتقاضى أقل، إلا أن أجورهم تبقى أعلى من أجورنا كنساء".
وتشير إيمان إلى حصول بعض المشاحنات البسيطة حول هذا الموضوع، عندما يرفض الرجال القيام ببعض المهام بحجة أنها ليست من مسؤولياتهم، "مما يزيد من تعبنا ويُلقي علينا مجهودًا إضافيًا يفوق ما يبذله الرجال. فنحن نقوم بتقطيع البطاطا، وعندما نطلب منهم المساعدة يرفضون ويقولون هذا عملكن. نطلب منهم إزالة الأعشاب معنا، فيرفضون بحجة أنه عملنا نحن. نقول لهم تعالوا ازرعوا بدلاً منا، فيجيبون بأنه ليس عملهم".
وتؤكد أن مطلبهن الأساسي أن يعملوا مثلهم مثل الرجال وأن تكون أجورهم متساوية، إذا كان الرجل يتقاضى 10 أو 15 دولار، وتقول "لماذا يجب أن أتقاضى أقل منه"؟.
معاناة معيشية
أجور النساء لا تكفي، ولا حتى أجور الرجال. "أصحاب العمل يجب أن يحققوا المساواة بينهم، لأن النساء إذا لم يحصلن عليها منهم، فلن تتحقق أبدًا... يجب أن يعطوهن الأجر نفسه الذي يتقاضاه الرجال".
إذ تعاني عنود، البالغة من العمر 60 عامًا، من وضع معيشي صعب اضطرها إلى العمل في الزراعة منذ 15 سنة. تتنوع مهامها بين تقطيع وقطاف البطاطا، والكرز، والتفاح، إلى جانب محاصيل أخرى.
ورغم الجهد الكبير الذي تبذله، فإن أجرها يبقى زهيدًا ولا يتناسب مع تكاليف الحياة، مما يجعلها تواجه صعوبة في تسديد فواتير الإيجار والكهرباء وتأمين الحاجات الأساسية. وتعبر عن ذلك بقولها: "ما عم توفّي معنا، وكل شي غالي".
وتضيف عنود أن صاحب العمل يمنح الرجال أجورًا أعلى من النساء دون أي مبرر منطقي، رغم أنهن يعملن بالمجهود نفسه ويبذلن جهدًا يوازي جهد المزارعين الرجال. لذلك، تطالب عنود أصحاب العمل برفع أجور النساء العاملات في الزراعة لتتماشى مع غلاء المعيشة.
آلية تحديد الأجور في زراعة الزيتون
في مشهد متقارب في أحد الحقول الممتدة في جنوب لبنان، وبين أشجار الزيتون العتيقة التي شهدت أجيالًا من المزارعين، تقف فاطمة، 52 عامًا، تحت أشعة الشمس الحارقة، خلال موسم الزيتون بحركة متواصلة لا تتوقف،  تعمل في هذا المجال منذ أكثر من عشرين عامًا، متنقلة بين الحقول وفقًا للموسم. تبدأ يومها قبل الفجر، تجهّز نفسها لتلتحق بالفريق، حيث تعمل مع رجال ونساء آخرين في جني الزيتون. لكن على الرغم من المجهود الكبير الذي تبذله، فإن أجرها لا يوازي ما يتقاضاه الرجال من حولها.
وتقول فاطمة "نبدأ العمل منذ الصباح الباكر، نقوم بفرش الشباك تحت الأشجار، نقطف الزيتون بأيدينا، ننتشل الثمار العالقة بين الأغصان، ونحمل الأكياس الممتلئة إلى مكان التخزين. الرجال أيضاً يعملون، لكنهم لا يبذلون مجهودًا أكبر منا، ومع ذلك يحصلون على أجر أعلى". 
لا يقتصر الأمر على فاطمة وحدها، فالكثير من النساء العاملات في قطاف الزيتون يواجهن نفس المشكلة.  في حين أن أصحاب العمل يبررون هذا الفارق في الأجور بأن بعض المهام تتطلب جهدًا بدنيًا أكبر، مثل تسلّق الأشجار وهزّ الأغصان لجمع الزيتون، وهي مهام تُسند غالبًا إلى الرجال. لكن النساء يؤكدن أنهن يقمن بجميع مراحل العمل، وغالبًا ما يتحملن مسؤوليات إضافية في غياب العمال الذكور.
في السياق، يشرح رئيس بلدية حاصبيا لبيب الحمرا، أنه يتم تحديد الأجور بناءً على طبيعة العمل وليس على أساس الجنس. ويوضح الحمرا أن العامل اللبناني يحصل على أجر أعلى من غيره، بغض النظر عن كونه رجلًا أو امرأة، نظرًا إلى أن بعض المهام مثل "تمشيق" الزيتون وتسلق الأشجار، تتطلب مجهودًا بدنيًا أكبر وتعرض العامل لمخاطر أكبر. في المقابل، من يقوم بجمع المحصول من الأرض يتقاضى أجرًا أقلّ لأن عمله أقل صعوبة وخطورة.
"المشّاق دائمًا يتقاضى أجرًا أعلى من الذي يقوم بتحويش الزيتون، سواء كان رجلًا أو امرأة"، بهذه الكلمات ينفي الحمرا وجود أي تمييز جندري، مؤكدًا أن الأجور تُحدد وفقًا لطبيعة العمل وليس على أساس النوع الاجتماعي.
مبررات غير مقنعة
رغم هذه التوضيحات، لا تزال بعض الجمعيات الحقوقية تعتبر أن هناك تمييزًا واضحًا ضدّ النساء في هذا القطاع. فالعاملات يشددن على أنهن يؤدين نفس المهام التي يقوم بها الرجال، ومع ذلك يحصلن على أجور أقل. 
من جهة أخرى، يصرّ الحمرا على أن هذه الانتقادات غير واقعية، موضحًا أن الفروقات في الأجور ليست مرتبطة بالجندر، بل بالخبرة وطبيعة العمل. ويضيف "كما يتقاضى الطبيب أجرًا أعلى من الممرض بسبب سنوات دراسته وخبرته، فإن العامل المتمرس الذي يؤدي مهامًا أكثر تطلبًا يحصل على أجر أعلى ممن يفتقر إلى الخبرة".
وعن مدى إلتزامهم بمعايير منظمة العمل الدولية في تحديد الأجور، يعتبر الحمرا أن هذه المسألة لا تحتاج إلى قوانين دولية، إذ تُحدد الرواتب بناءً على الكفاءة والمهارات وليس على النوع الاجتماعي. ويؤكد أن في البلدية "موظفات يتقاضين رواتب أعلى من الرجال، لأنهن يمتلكن خبرات ومؤهلات تجعلهن يستحقن ذلك".
خطط لدعم النساء في القطاع الزراعي
رغم الجدل القائم حول الأجور، هناك جهود تُبذل لدعم النساء العاملات في القطاع الزراعي. ويكشف الحمرا عن وجود مبادرات لتنظيم ورش تدريبية بالتعاون مع جهات مانحة، تستهدف النساء لمساعدتهن على تطوير مهاراتهن وتحسين مستواهن المعيشي، مما قد يسهم في رفع أجورهن وزيادة فرصهن في سوق العمل.
ويبقى النقاش حول الأجور في القطاع الزراعي مستمرًا، بين من يرى أن الفروقات تستند إلى طبيعة العمل والخبرة، وبين من يعتبرها تمييزًا واضحًا ضد النساء. ومع ذلك، فإن تحسين ظروف العمل وتوفير فرص تدريب للنساء قد يشكلان خطوة مهمة نحو تقليل الفجوة في الأجور، وضمان بيئة عمل أكثر عدالة لجميع العاملين والعاملات في هذا القطاع الحيوي.
في هذا الإطار، تقول النائبة نجاة عون، إن دراسات للجامعة الأمريكية في بيروت أظهرت أن النساء العاملات في الزراعة يتعرضن للتعنيف المنزلي، حيث يقوم الأزواج في العديد من الحالات بالاستيلاء على أجور زوجاتهم، مما يجعل عملهن بمثابة سخرة واستعباد.
و تضيف أن الأجور في الأساس زهيدة، مقابل ظروف عمل قاسية للغاية، إذ يعملن لساعات طويلة في ظروف مناخية قاسية (حر شديد أو برد قارس). فتعاني النساء في فترة الزرع من البرد القارس، وفي فترة القطف من حرّ الصيف الشديد. ولذلك من الضروري أخذ التغير المناخي بعين الاعتبار، حيث يزيد من صعوبة هذه الظروف. وتعتبر أن هذه الظاهرة ليست محصورة بـ لبنان فحسب، بل هي موجودة في كافة البلدان التي تصنفها الأمم المتحدة ضمن "الدول النامية".
وتشير عون، إلى أنه قبل عام تقريبًا، عُقد مؤتمر عربي بالتعاون مع منظمة ESCWA، صدر عنه قانون عمل شامل يهدف إلى تحسين وضع المرأة في الزراعة. وقد تمّ التوجيه بتقديم هذا القانون إلى مجلس النواب اللبناني، إلا أنه حتى اليوم لم تتم مناقشته في اللجان النيابية. وتضيف أنه من المهم أن يتضمن هذا القانون مراعاة التغير المناخي، بحيث يتم تعديل ساعات العمل وظروفه بما يتناسب مع تحديات المناخ، وفقًا للمقررات المتعلقة بذلك.
على الرغم من هذه التحديات، يبقى الأمل موجودًا، خاصة مع الحديث عن مبادرات لدعم النساء في القطاع الزراعي من خلال تنظيم دورات تدريبية لتحسين مهاراتهن وزيادة فرصهن في الحصول على أعمال ذات أجور أفضل. حتى ذلك الحين، ستظل فاطمة وإيمان وعنود وآلاف النساء الأخريات في الجنوب والبقاع يواصلن عملهن، مؤمنات بأن نضالهن اليومي هو جزء من معركة أكبر نحو تحقيق المساواة في العمل والحقوق.
تمّ إعداد هذا المقال في إطار مشروع "مساحة معلومات آمنة لتعزيز مشاركة النساء في المجال العام" بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة - لبنان - والسفارة البريطانية في بيروت. إن محتوى هذا المقال لا يعكس بالضرورة وجهات نظر هيئة الأمم المتحدة للمرأة والسفارة البريطانية في بيروت.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق