الفيلم اللبناني القصير في كليرمون: بانوراما مآسينا الدائمة والمتجدّدة - ايجي سبورت

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الفيلم اللبناني القصير في كليرمون: بانوراما مآسينا الدائمة والمتجدّدة - ايجي سبورت, اليوم الاثنين 31 مارس 2025 04:39 مساءً

ايجي سبورت - وجّه مهرجان كليرمون فيران هذا العام خلال دورته السابعة والأربعين تحية إلى الفيلم اللبناني القصير، من خلال عرض مجموعة أعمال أُنتِجت على مدار العقدين الأخيرين. سابقة لم تحظَ بها سينمانا الوطنية في أي منبر سينمائي آخر، عربي أو غربي. تزامن ذلك مع ما عاشته “بلاد الأرز” (التسمية الأحب إلى قلوب الفرنسيين) خلال السنوات الأخيرة من أزمات سياسية وخضّات أمنية وتحديات معيشية بلغت ذروتها مع لحظتين رئيسيتين هما تفجير مرفأ بيروت والعدوان الإسرائيلي الذي استمر نحو شهرين، وها انه يتجدّد الآن. 

غصّت شوارع كليرمون وأزقّتها الضيقة وساحاتها الرحبة، بالعديد من اللبنانيين الذين جاؤوا إلى هذه المدينة الواقعة في وسط فرنسا للمرة الأولى، مع آخرين أُتيحت لهم فرصة زيارتها سابقاً. في مثل هذه الظروف، يشعر الإنسان نفسه “سفيراً لبلده، وهو الشيء الذي حاول التنصّل منه طوال حياته. طبيعة المناسبة، بالاضافة إلى فضول الفرنسيين الذي يُترجم بتراشق من الأسئلة، هذا كله جعل السينما اللبنانية تعيش "ربع ساعة من المجد"!  

وسرعان ما تشكّلت الوفود اللبنانية على أساس التكتّلات والصداقات والمعارف الشخصية والشللية، لتصبح كليرمون صورة مصغّرة عن لبنان الذي نعرفه. هذه سلوكيات سائدة في اطار أي تجمّع ثقافي، أكان في العالم العربي أو خارجه. أحياناً، ونحن نتمشّى في الشارع لتمضية بعض الوقت بين فيلمين أو استكشاف معالم المدينة، كنّا ”نتفركش" بعضنا ببعض. وهكذا أمضينا تسعة أيام من المشاهدة والوقوف في الطوابير والانخراط في نشاطات والسعي إلى تكوين صداقات جديدة. 

 

طاقم فيلم 'يرقة' في مهرجان كليرمون.

 

مَن يتابع الإنتاج السينمائي اللبناني الخاص بالفيلم القصير منذ مطلع الألفية، لا بد ان يلاحظ انه يحمل ثراء يستحق التفاتة، وقد خطا خطوات مهمّة في هذا المجال. لا يمر عام من دون ان نشاهد عشرات الأفلام التي تأتينا، سواء من معاهد السينما أو من سينمائيين محترفين، لا يزالون يحاولون شق طريقهم نحو فيلمهم الطويل الأول، وذلك في ظروف تمويلية تضع العصي في الدواليب. تجربة القصير لا يوجد غيرها إلى الآن لتمهّد لهم الطريق في بلد لا يملك دعماً رسمياً يمكن التعويل عليه. 

في كليرمون، كان من المتوقّع حضور وزير الإعلام السابق ليبارك الاحتفالية، لكن صدف هذا كله مع لحظة تشكيل حكومة نواف سلام، فلم يتعذّب معاليه. في أي حال، لا أحد كان في انتظاره. فهذه النشاطات الثقافية تجري في الغرب، خلافاً للبلدان العربية، في حيز أبعد ما يمكن عن صانعي القرار من رجال السياسة ونسائها، خصوصاً في مكان مثل كليرمون حيث الاحتجاج السياسي تقليد راسخ، علني وصريح، يعبّر عنه الجمهور، وكان للمساهم في مجموعة "كانال بلوس" رجل الأعمال فنسان بولوريه حصّة الأسد هذا العام، وذلك رغم انه… الراعي الرسمي للمهرجان!

عروض الأفلام اللبنانية داخل الصالات، تلك حكاية أخرى تستحق ان نتوقّف عندها، ولعلها أحياناً أجمل من الأفلام نفسها. فالجمهور الفرنسي عموماً والكليرموني خصوصاً، شغوف وفضولي إلى أبعد حد، لديه شعور بأنه ينتمي إلى العالم الأوسع وتعنيه قصصه وصراعاته وأزماته، وصولاً إلى الشعور بالذنب في بعض الأحيان، وهو ذنب لم يقترفه. لا يكتفي هؤلاء بمشاهدة الأفلام والخروج بهدوء من القاعة، بل يطرح بعضهم الأسئلة ويناقش من داخل ما هو مطروح على الشاشة، وأحياناً من خارجه، أي بكلّ ما هو متّصل به من سياسة واقتصاد وشؤون حقوقية وثقافية. 

 

'مينيرفا' للوسيان بو رجيلي.

'مينيرفا' للوسيان بو رجيلي.

 

في احدى الجلسات، أكّد لي مخرج لبناني انه لم يخلُ عرض من عروض فيلمه الأخير خلال جولاته المناطقية، من فرنسي يكيل للبنان بالمدائح، مستعيداً الأيام التي أمضاها في ربوعه ذات زمن. تعود ذكريات هؤلاء الذين عرفوا لبنان في حالات أفضل (هذا أقل ما يُقال)، يوم كان ما يُسمَّى بـ"سويسرا الشرق"، إلى سنوات لا بل عقود، كالرجل الذي، خلال المناقشة التي تلت عرض فيلم "رسائل"، بدا انه اختلط عليه لبنان وسوريا، فذكر ان "زيارة الجامع الأموي في بيروت تركت فيه ذكرى طيبة“، قبل ان يتدارك الخطأ ويصرح ما معناه ان سوريا هي أصلاً ضاحية من ضواحي لبنان! عموماً، أمام هذه الشهادات، لا يعرف المرء ما إذا كان عليه ان يضحك أو يشعر بالأسى!

عروض وحفلات موسيقية (ناديا ضو) وندوات، هكذا يمكن اختصار الحدث اللبناني في كليرمون فيران خلال تسعة أيام. لكن، تبقى الأفلام المشاركة هي الأهم، انها الجوهر ولولاها لا احتفاء. 20 عملاً قصيراً أُنتِجت بين عامي 2004 و2024 عُرضت في كليرمون، عشرة منها تُعرض في المهرجان للمرة الأولى. حتى لو أخذت هذه الاستعادة طابعاً احتفالياً، فليس من الخطأ مناقشة الخيارات التي قام بها المنظّمون، بعيداً من هاجس ما اذا كان بعضها يمثّل لبنان خير تمثيل أو لا يمثّله. هذا مجال مفتوح للنقاش، على أمل ان يمتد هذا النقاش إلى بيروت، علماً ان المركز الثقافي الفرنسي عرض بعضها قبل فترة. عموماً، هذه البانوراما جاءت لترسم خريطة مآسينا الدائمة والمتجدّدة جيلاً بعد جيل. 

الاحتفاء الذي حمل تسمية "معبر" (كلمة أغوَت إدارة كليرمون على ما يبدو، كون الحديث عن بلد فيه العديد من الحدود المادية والحواجز المعنوية)، انطلق منذ أمسية الافتتاح بحيث تم استعراض كلّ ما ستتشكّل منه هذه التحية غير المسبوقة للفيلم اللبناني. حتى الملصق حمل علامات هذه التحية، اذ أطل من خلاله الممثّل اللبناني رائد ياسين، واطلالته هذه من فيلم "اذا الشمس غرقت في بحر الغمام" لوسام شرف الذي خُصِّصت واحدة من الحصص الأربع لأفلامه، بالإضافة إلى ماستركلاس جميل قدّمه. شرف، هو من أكثر السينمائيين اللبنانيين الذين عرضوا أفلامهم في كليرمون، وذلك منذ "هز يا وز" (2004)، وصولاً إلى نيله جائزة في العام الماضي عن عمله الأخير. وبينهما، كان قد أختير عضواً للجنة تحكيم المسابقة الدولية.

 

وسام شرف في الدورة السابقة من كليرمون.

وسام شرف في الدورة السابقة من كليرمون.

 

دائماً ما نُسأل عن معايير اختيار الأفلام في المهرجانات، سواء في كليرمون أو في غيره من التظاهرات المخصّصة للفيلم القصير. ينبغي العمل على تبديد الأوهام في هذا الصدد، فكلّ شيء يخضع للأمزجة ورهن للذاتية والطريقة التي يتلقّى فيها المبرمج العمل، وذلك انطلاقاً من درجة فهمه الأشياء ومستوى تفاعله معها. لا يوجد دفتر شروط أو مسطرة تُقاس بها السيناريو أو التمثيل أو الإخرج، فالسينما والفنون بشكل عام ليست من علوم الفيزياء. قد يُؤخَذ في الاعتبار بعض الجوانب وقد يراعي المنظّمون شؤوناً سياسية وجغرافية، ولكن المسألة تتعلّق أولاً وأخيراً بتوجّه المبرمجين وبالقضايا التي يريدون الإضاءة عليها. 

من خلال جولة بانورامية كاملة على ما يحيط بحياة اللبنانيات واللبنانيين، غداً والآن وفي الأمس القريب، حاولت الأفلام ان تأتي برؤية شاملة. في "مينيرفا" للوسيان بو رجيلي، عودة إلى ضحايا تفجير مرفأ بيروت، بين مَن قضوا فيه ومَن لا تزال هذه التروما تطاردهم وستطاردهم إلى الأبد. في "تشويش"، مَوضَع أحمد غصين كاميراه تحت أحد جسور بيروت، رفقة سعيد الذي سيحمل له الليل مواقف وجودية عبثية وطريفة. بيروت حضرت بقوة أيضاً في "ورشة" لدانيا بدير من خلال اللاجئ السوري الذي سيجد حيز آمان له بين السماء والأرض، دونما القدرة على اختيار معسكره. أما "يرقة" لميشيل ونويل كسرواني (الفائز بـ"دب" برلين للفيلم القصير قبل عامين)، فهو عن لقاء بين شابتين، الأولى من سوريا والثانية لبنانية، تلتقيان في ليون، وتحملان حقيبة ثقافية وتاريخية ثقيلة، فيها الحلو والمر.

 

جوسلين صعب.

جوسلين صعب.

 

ولأن السينما اللبنانية لم تبدأ اليوم (رغم اعتقاد البعض ان كلّ شي يبدأ معهم وفيهم)، بل لها امتدادات عميقة، فقد تمحور قسم "كوليكسيون" على أفلام جوسلين صعب (1948 - 2019)، المخرجة التي يعرّف عنها الكاتالوغ باعتبارها "ولدت في عائلة مسيحية بيروتية من الطبقة الثرية، ومع ذلك كانت ناشطة يسارية راديكالية". ثلاثيتها عن بيروت تروي "حربها" الخاصة على أكثر من جبهة. في أعمالها التي تسترجع فصولاً من الماضي، تساهم النساء في إعادة الذاكرة إلى الواجهة، لتصبح هذه الذاكرة أداة تحليلية. برنامج "كوليكسيون" لم يكتفِ بهذا الحد، بل ضم أيضاً فيلم "رسائل" الجماعي، مبادرة لجوزف خلّوف شاركت فيها مجموعة من السينمائيين اللبنانيين. 18 مخرجاً ومخرجة، من ضفاف واتجاهات وقناعات وأجيال مختلفة، التقطوا، كلٌٍ على طريقته، واقعهم وهواجسهم ومخاوفهم، في ضوء "طوفان الأقصى"، وفي مواجهة التحولات التي تشهدها المنطقة، وانطلاقاً من شعور كلّ شخص من هؤلاء حيال اللحظة الراهنة. فيلم صُنع تحت إلحاح اللحظة والضرورة.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق