نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المكسيك: بين عدم اليقين والمرونة منعطف اقتصادي حاسم - ايجي سبورت, اليوم الثلاثاء 1 أبريل 2025 11:30 صباحاً
ايجي سبورت - كتب جوزيف عازار ، أستاذ في جامعة باريس دوفين – PSL، لـ"النهار":
الاقتصاد المكسيكي يمر بمرحلة من الاضطرابات التي تتميز بعدم اليقين الداخلي والضغوط الخارجية. وقد اتسمت نهاية عام 2024 بنمو أقل من التوقعات، وهي اتجاه يبدو أنه مستمر في عام 2025. يشهد الاستثمار، سواء العام أو الخاص، تباطؤًا ملحوظًا، في حين تظهر علامات التراجع على الاستهلاك، الذي يعد محركًا أساسيًا للنمو. وعلى الرغم من أن التيسير النقدي يوفر دعمًا مؤقتًا، فإنه لن يكون كافيًا لتعويض الرياح المعاكسة التي يواجهها الاقتصاد.
نمو الناتج المحلي الإجمالي من PIB بين 2015 و2024 في المكسيك (بالنسبة المئوية)
سجل الاقتصاد المكسيكي نموًا بنسبة 0.5٪ على أساس سنوي في الربع الرابع من عام 2024، بعد مراجعة التقدير الأولي البالغ 0.6٪ نحو الانخفاض. ويمثل هذا المعدل تباطؤًا واضحًا مقارنة بالزيادة البالغة 1.7٪ التي شهدها الربع السابق. بين عامي 1994 و2024، بلغ متوسط النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي للمكسيك 2.07٪، ووصل إلى ذروته عند 22.7٪ في الربع الثاني من عام 2021، بينما سجل أدنى مستوى عند -20.3٪ في الربع الثاني من عام 2020.
تظل المفاوضات التجارية الجارية مع الولايات المتحدة وكندا قضية رئيسية. فقد شهدت "الهدنة التجارية" بين هذه الدول الثلاث تطورًا جديدًا يعكس التوترات المستمرة. ورغم أن الرسوم الجمركية بنسبة 25٪ كان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من 4 آذار (مارس)، فقد تم الإعلان عن تعليقها لمدة شهر حتى 2 نيسان (أبريل). وجاءت هذه الاستراحة نتيجة الجهود الكبيرة التي بذلتها المكسيك لتلبية مطالب واشنطن، بما في ذلك تقليص تدفقات الهجرة بشكل كبير، وتعزيز الأمن على الحدود، وتسليم تجار المخدرات، والالتزام المحتمل بالسياسة التجارية الأميركية تجاه الصين.
تفاعلت الأسواق المالية بحذر مع هذه التطورات. ورغم تأثر البيزو المكسيكي بحالة عدم اليقين، فقد استعاد جزءًا من خسائره بعد الانتخابات الأميركية. وتعكس هذه الاستجابة إدراكًا بأن هذه التدابير ستكون مؤقتة، وأنه قد يتم التوصل إلى تسوية نهائية. من جانبها، تتبنى الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم موقفًا حذرًا لكنه حازم، مستفيدة من دعم شعبي قوي يبلغ 85٪. وقد أفسحت تصريحاتها بشأن اتخاذ تدابير مضادة المجال لجولة جديدة من المفاوضات، مما يؤكد الرغبة في التوصل إلى حل متوازن.

Source : Trademap
ومع ذلك، فإن استراتيجية دونالد ترامب، التي تتسم بتصريحات متناقضة، تزيد من صعوبة التنبؤ بمسار المفاوضات. إذ إن تراجعه في 26 شباط (فبراير) عن قراره بتمديد الهدنة قبل أن يؤكد فرض الرسوم الجمركية يبدو تكتيكًا للضغط بهدف إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة (ACEUM) لصالح الولايات المتحدة. وفي ظل هذه الضبابية، يتوقع الفاعلون الاقتصاديون سيناريو يتم فيه تشديد قواعد المحتوى المحلي وفرض رقابة أكثر صرامة على الواردات القادمة من الصين.

Source: Banxico
من الناحية الاقتصادية الكلية، تظهر مؤشرات تباطؤ في النمو المكسيكي. فقد شهد الربع الأخير من عام 2024 انكماشًا بنسبة 0.6٪ في الناتج المحلي الإجمالي، ما خفض النمو السنوي إلى 1.5٪، وهو أقل بكثير من التوقعات الأولية البالغة 2.3٪. وقد راجع بنك المكسيك (Banxico) توقعاته لعام 2025 ليقدر النمو عند 0.6٪ فقط. ويرجع هذا التباطؤ بشكل رئيسي إلى ضعف القطاع الصناعي، حيث تراجعت الإنتاجية بنسبة 2.6٪ في النصف الثاني من عام 2024، بالإضافة إلى الإرهاق الذي يعاني منه قطاع الخدمات. ومع تراجع ثقة المستهلكين والشركات بشكل تدريجي، بات الاستثمار الأجنبي المباشر يتركز على إعادة استثمار المشاريع القائمة بدلاً من إطلاق مشاريع جديدة.

Source: Banxico
لا يزال سوق العمل صامدًا حتى الآن، مع معدل بطالة مستقر، لكن وتيرة خلق الوظائف تشهد تباطؤًا. كما أن الفصل التدريجي بين الأجور والتضخم، إضافة إلى تراجع تحويلات المغتربين، يضعف القوة الشرائية للأسر. في المقابل، تراجعت معدلات التضخم إلى 3.6٪ سنويًا، ما أعادها إلى النطاق المستهدف لبنك المكسيك للمرة الأولى منذ عام 2021. وقد سمح هذا الاتجاه للبنك المركزي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في شباط (فبراير)، ومن المتوقع إجراء تخفيض آخر في نهاية آذار (مارس). ومع ذلك، فإن حالة عدم اليقين التجاري قد تحد من قدرة البنك المركزي على المناورة.
على الصعيد المالي، تبدو الأوضاع متوترة. إذ يتوقع أن يحقق الاقتصاد نموًا في الموازنة يتراوح بين 2 و3٪، وهي تقديرات أصبحت غير واقعية بالنظر إلى التباطؤ الاقتصادي. ومن المتوقع أن يصل العجز العام إلى 5.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وهو ارتفاع ناجم عن زيادة إنفاق شركة النفط الوطنية المكسيكية (PEMEX) والبرامج الاجتماعية. وفي ظل هذه الضغوط، سيتم تخفيض الاستثمار العام إلى 0.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025. وعلى الرغم من تبني شينباوم نهجًا حذرًا في إدارة الميزانية، فإن تنفيذ إصلاح ضريبي شامل يبدو أمرًا لا مفر منه لتجنب خفض التصنيف الائتماني للمكسيك.
أما بالنسبة للحسابات الخارجية، فهي تظل أحد مصادر المرونة، حيث بلغ العجز في الحساب الجاري 0.3٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وتم تعويضه بتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. ومع ذلك، فإن الصادرات، لا سيما في قطاع السيارات، قد تتضرر بشدة نتيجة فرض التعريفات الجمركية الأميركية. فمع بلوغ إجمالي الصادرات 490 مليار دولار، منها 130 مليار دولار للقطاع الصناعي، فإن تطبيق رسوم جمركية بنسبة 25٪ قد يضيف تكلفة تتجاوز 100 مليار دولار. وفي مثل هذا السيناريو، قد تساهم خسائر البيزو في تخفيف التأثير، لكنها لن تكون كافية لتعويض الخسائر بالكامل.
يواجه الاقتصاد المكسيكي تحديات كبيرة. وبينما يستمر عدم اليقين، يبقى التوصل إلى اتفاق تجاري مُعدَّل مع الولايات المتحدة أمرًا ضروريًا لاستعادة الثقة وتحفيز الاستثمار. وفي الوقت الراهن، لا تزال التوقعات مشوبة بالمخاطر والحذر.
0 تعليق