نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لجان الحدود باب نحو التطبيع بين لبنان وإسرائيل؟ - ايجي سبورت, اليوم الأربعاء 19 مارس 2025 11:51 صباحاً
ايجي سبورت -
إليسا الهاشم*
على وقع المتغيرات المتسارعة في المشهد الإقليمي، تشهد الحدود اللبنانية - الإسرائيلية حراكاً غير مسبوق يتمثل في تشكيل لجان عمل مشتركة لمناقشة القضايا العالقة، في مقدمها ترسيم الحدود البرية والنقاط المتنازع عليها بين الجانبين. هذه المبادرة، التي بدت حتى وقت قريب من ضروب الخيال السياسي، تعكس تحوّلاً جوهرياً في نهج التعامل مع ملف الصراع، لا سيما في ظل تراجع قبضة "حزب الله" وتزايد الأصوات الداعية إلى إعادة النظر في "العلاقة" مع إسرائيل ضمن مقاربة أكثر براغماتية.
ففي ضوء ما تمّ تسريبه على لسان مسؤول إسرائيلي بشأن التطبيع تزامناً مع تصريحات مبعوثة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مورغان أورتاغوس مطلع الأسبوع والذي ترافق مع غزل غير مسبوق من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاه رئيس الجمهورية اللبنانية جوزف عون وإطلاق عدد من الأسرى كبادرة حسن نية تجاهه، وإن كانت تلك بالونات اختبار بادرت كل من الرئاسة اللبنانية ومصادر إسرائيلية بعد مرور يومين إلى نفيها، فإن المحادثات بشأن الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل ليست مجرد نقاشات تقنية حول الحدود، بل تمثل مدخلاً لمسار ديبلوماسي أوسع قد يمهّد لتفاهمات غير مسبوقة بين الطرفين. فالنقاط الخمس التي لا تزال تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان ستكون محوراً رئيسياً في المحادثات، إلى جانب قضايا أخرى ظلّت عالقة لعقود، مما يوحي بأن هناك استعداداً لمقاربات جديدة تتجاوز المنطق التقليدي للصراع.
هذه التطورات تحظى باهتمام المراقبين سواء داخلياً من الجانبين، كما وديبلوماسياً إقليمياً ودولياً نظراً للجهات الراعية لعمل تلك اللجان الثلاث، وسط تساؤلات وإن بحذر بشأن ما إذا كانت هذه اللقاءات تمثل بداية انتقال لبنان نحو واقع جديد يخرج فيه من أسر الخطاب المتصلب الذي فرضته طهران عبر ذراعها المحلية، "حزب الله". فمع تراجع قدرة الحزب على فرض أجندته بالقوة، إثر الضربات المتتالية التي تلقاها، تتاح للمكونات اللبنانية الأخرى فرصة غير مسبوقة لإعادة رسم السياسة الخارجية للبنان وفقاً لأولويات الدولة وليس الميليشيا.
"حزب الله" الذي يشنّ في العلن حملات تحريضية تصاعدية على النهج الديبلوماسي الذي يتبناه رئيسا الجمهورية والحكومة التي أصرّ على المشاركة فيها، مدعومين من غالبية مكونات الشعب اللبناني، يتناسى أو هو يريد أن ينسى الرأي العام بأنه صاحب باع طويل في التفاوض مع إسرائيل إذ كان طرفاً في المفاوضات التي أدت إلى إنهاء حرب 2006، ولاعباً أساسياً في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، وأخيراً المعني الرئيسي في اتفاق وقف إطلاق النار عبر الرئيس نبيه بري، الذي تولى التفاوض بصفته ممثلاً للحزب وليس كرئيس لمجلس النواب في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي.
المفارقة اليوم وما يقلق "حزب الله" في محادثات الناقورة التي انطلقت حديثاً، هو أنه، وللمرة الأولى، ليس جزءاً منها. هذه المرة، الدولة اللبنانية هي من تتولى التفاوض، انطلاقاً من مصلحتها حصراً.
وفي هذا السياق، جاءت تصريحات نائب الأمين العام لـ"حزب الله"، نعيم قاسم، كمحاولة واضحة لرسم خطوط حمراء أمام أي تغيير في معادلة الجنوب. فقد أكد أن الحزب "لن يسمح لإسرائيل بالبقاء في أي نقطة على الأراضي اللبنانية"، مشدداً على أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي قبل به الحزب مرغماً في تشرين الثاني الماضي ينصّ على انسحاب إسرائيل الكامل. هذه التصريحات تعكس خشية الحزب من أن يؤدي مسار التفاوض إلى تغيير المعادلة التي كانت قائمة وبشكل نهائي، بحيث يصبح أي وجود عسكري أو تهديد مسلح على الحدود غير مبرر، مما ينهي رسميّاً حظوظ استمرارية الحزب بصيغته التي يتمسّك بها كـ"مقاومة".
ولكن مع الضغط الأميركي المتزايد، خاصة في ظل ادارة الرئيس ترامب الحالية، يبدو أن قدرته على تعطيل هذا المسار محدودة، مما يجعله أمام خيار وحيد: تأجيل التغيير قدر المستطاع، بحيث أنه غير قادر على منعه بالكامل.
السؤال المطروح الآن هو: هل يمهّد هذا الحوار الحدودي لتطبيع رسمي بين لبنان وإسرائيل؟ حتى اللحظة، لا تزال السلطات الرسمية اللبنانية تعتمد خطاباً حذراً، وتحرص على تقديم هذه المحادثات كإطار لحل خلافات تقنية وليست كخطوة سياسية. لكن الواقعية السياسية تفرض نفسها، فكل عمليات التطبيع التي سبقت في المنطقة، من مصر إلى الإمارات، بدأت بمسارات تقنية واقتصادية قبل أن تتطور إلى تفاهمات سياسية وأمنية.
في حال تواصلت هذه اللقاءات وأثمرت عن اتفاقات ملموسة، فإن ذلك قد يشكل بداية زخم سياسي قد يدفع نحو إعادة تعريف العلاقة بين لبنان وإسرائيل، خاصة إذا ما ترافق مع ضغوط داخلية لإخراج البلاد من حالة الجمود الاقتصادي والديبلوماسي.
رغم أن مسار الحوار الحدودي بين لبنان وإسرائيل يبدو واقعاً لا مفر منه، فإن "حزب الله"، الذي لا يزال يردد صدى الخطاب الإيراني، لن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا التحول. الحزب، الذي يعيش واحدة من أضعف لحظاته التاريخية، يواجه معضلة استراتيجية: فهو من جهة جزء من الحكومة اللبنانية، لكنه في الوقت نفسه يصعّد ضدها، متهماً رئيسي الجمهورية والسلطة التنفيذية بـ"التفريط بالثوابت الوطنية"، في محاولة لتأجيج القاعدة الشعبية ضد أي مسار تفاوضي.
أما إيران، التي فقدت وجودها العسكري الفاعل في سوريا بفعل الضربات الإسرائيلية والتفاهمات الإقليمية، فستسعى بأي ثمن للحفاظ على موطئ قدمها في لبنان، باعتباره آخر ورقة لها في شرق المتوسط. ومع احتدام الضغط الأميركي، فإن إيران قد تلجأ إلى تحريك الداخل اللبناني بما وبمن تبقّى من الحزب، أو دعم تصعيد أمني عبر ميليشياتها في العراق وبقاياها في سوريا.
من المبكر الجزم بأن لبنان في طريقه إلى السلام مع إسرائيل، لكن ما يجري اليوم على الحدود الجنوبية يختلف جذرياً عن أي حوار سابق. هذه اللقاءات، التي تجري تحت مظلة دولية وبقبول لبناني رسمي، تعني أن كسر المحرمات قد بدأ بالفعل، وأن هناك من بات مستعداً للحديث عن مصالح الدولة لا مصالح الحزب وإيران.
*كاتبة في الشؤون العربية والدولية
أخبار متعلقة :