ايجي سبورت

هدى بركات المرشحة لجائزة الشيخ زايد للكتاب لـ"النهار": نكتب لئلا نُشفى من الألم - ايجي سبورت

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هدى بركات المرشحة لجائزة الشيخ زايد للكتاب لـ"النهار": نكتب لئلا نُشفى من الألم - ايجي سبورت, اليوم الأربعاء 26 مارس 2025 11:02 مساءً

ايجي سبورت - في روايتها الأخيرة "هند أو أجمل إمرأة في العالم" المرشحة للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب 2025، تعود الروائية اللبنانية هدى بركات إلى ثنائيتي الفقد والتشوّه، الحب والخذلان، لتنسج نصاً يُشبه المرايا المهشّمة، حيث لا تنعكس صورة واحدة، بل وجوه متعددة لجرحٍ إنساني غائر. الرواية التي تتحرك في فضاء ما بعد الفقد الأمومي، تستحضر الموت، لا بوصفه نهاية، بل كحضورٍ دائم في يوميات الألم اليومي، في جسد هنادي المريض، وصوت هند الغائبة، وأمٍّ تنكسر بينهما.

في هذا الحوار مع "النهار"، تتحدث بركات بلغة لا تقل شاعرية عن نصها المرهف، وأسئلتها التي تشبه المتاهة، وعن قدرتها على جعل الحزن كتابةً، والكتابة مقاومةً ناعمة لما لا يُحتمل. تفتح أبواب عالمها الروائي، من دون ادعاء، وترفض أن تقدّم أجوبة جاهزة، بل تفضّل أن تترك الأسئلة مفتوحة، كأنها تقول إن الأدب لا يُشفي، بل يفتح جراحاً ضرورية كي نفهم.

تتوقف بركات عند الجسد بوصفه موضوعاً سردياً، لا تكراراً لأطروحات النسوية أو السلطة، بل بحث  عن وعيٍ شخصي متجدد، وعن ذاتٍ تهتز كما الزمن والمكان. وعن جائزة الشيخ زايد للكتاب، تعبّر عن فخرها بالترشيح، مشيرة إلى بعدها العالمي ودورها في دعم الترجمة وتوسيع الحضور العربي في الثقافة الكونية.

كيف تشكّلت فكرة الرواية؟ وهل كان الفقد الأمومي، والمقارنة بين الإبنة الغائبة والإبنة المريضة، دافعاً أولياً للكتابة أم أنه جاء لاحقاً ضمن تطور الشخصيات؟
أعتقد الآن، بنظرة استرجاعية، أن لكل من رواياتي حكاية مختلفة عن تشكّلها. غالباً تبدأ بسماع صوت عميق، ثم أذهب إلى الكتابة. في "هند أو أجمل امرأة في العالم" كان صوت هند مزيجاً من الفقد، فقد الأم وفقد البلاد، ثمّ إحساسي بأن أسئلتنا باتت تشبه المتاهة، وكأنّ تشوّهاً أو مرضاً، حصل إمّا فينا أو في زمننا. ربما هكذا تركّبت عناصرها من شخصيات وأحداث.

تطرحين في الرواية ثنائيتي الفقد والتشوّه، الأمومة والخذلان... كيف تعاملتِ سردياً مع هذه التيمات الثقيلة من دون الوقوع في الميلودراما؟
إنّها فعلا تيمات ثقيلة، ومعالجتها، على ما أعتقد وأستنتج الآن، هي في التمهّل، وفي الركون إلى تأثير الوقت البطيء. أنا مقلّة إجمالاً، وتلزمني سنوات لا تقلّ عن خمس لإنجاز نصّ روائي... في رواية كهذه تسير الكتابة على خيط مشدود، ويكون التأني في عدم الوقوع في الميلودراما أو في التفجّع الثرثار...
الشخصية الأم في الرواية تحتفظ بجرح مزدوج: فقدان هند ومرض هنادي.

 

رواية هدى بركات المرشحة للجائزة. (دار الآداب)

 

كيف رسمتِ ملامح هذه الأم؟ وما الذي أردتِ قوله من خلال هذه المفارقة بين الجمال والتشوّه؟
أعتقد أنّ ما سمّيته "الازدواجيّة" أو "الثنائية" هو لعبة مرايا تنتظم كامل الرواية. أقلّه في ما ذكرت. ليست هناك صورة نهائية واضحة المعالم أو تصوّر أكيد لما تعيشه هذه الشخصيات. كلّ شيء أو حدث يبدو ملتبساً، ورجعُه غير مستقر. أعتقد أن صعوبة الكتابة تكمن في جعل القراءة ممتعة، بسيطة وسيّالة رغم هذا التعقيد المفترض. وربما يكون الدافع هو عدم وضوح ما نمرّ به في بلداننا وفي زمننا. هذه حقبة صعبة، والعالم يهتز بنا ومن حولنا. وأنا شخصياً أغبط من يكتب بقناعات وأفكار ثابتة وعنده أجوبة نهائية عن كلّ الأسئلة. أنا لست في مثل هذه الرفاهة. والأمّ كما ابنتاها- اللتان قد تكونان إبنة واحدة- بورتريه مهتز يجمع الجمال والقبح، الكذب والحقيقة، كما لدينا نحن جميعا.

أسلوبك في الرواية يبدو مشحوناً بعاطفة مكثفة ولغة شاعرية رغم قسوة الحدث... كيف تصفين علاقتك باللغة حين تكتبين عن الحزن والفقد؟
صحيح أن الرواية مشحونة بقسوة الحدث وبحيوات الشخصيات الهائمة على فراغات كالجيوب الهوائيّة، وعلى آفاق مسدودة كثيرة، وعلى أقدار تفخّخ حيواتها التي بلا قيمة، لكن في الوقت نفسه هناك شحنات ساخرة وهزلية إلى حدّ كبير، كما في الحياة نفسها. ولا أستطيع القول بأنّي اخترت لغة معيّنة. إنّها لغة هذه الرواية بالذات، وهي الخيار الذي عملت عليه منذ التقاط نغمة الجملة الأولى. أو لنقل منذ سمعت وتبيّنت صوت هند/هنادي لأبدأ الكتابة.

هل ترى هدى بركات أن الرواية قادرة على إعادة سرد الألم بطريقة تداويه؟ أم أنها فقط تفتحه على احتمالات جديدة من الفهم؟
لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال. بالنسبة إلي شخصياً الكتابة هي ألم حقيقي ممزوج بقدر كبير من اللذة. في أن تنجح في تحويل القسوة إلى فنّ. لست فريدة في قولي هذا. لا أعتقد أنّي أُشفى من الألم حين أكتب عن الألم، إلاّ أنّ الكتابة تعطي زهواً خاصاً، كمن يصقل معدناً شريفاً بالنار. هذا ادّعاء طبعاً. لكن أن ترضى عن نص تكتبه ويعجبك إلى حدّ ما يبرّر هذا الادّعاء، هذا الفرح الصغير، وإلاّ فلماذا نكتب.
أمّا ما تقوله عن إيقاظ "احتمالات جديدة في الفهم" فهو أقصى ما أرجوه وأتمنّاه.

تشتغل روايتك على الجسد كموضوع سردي: جسد هند الغائبة، وجسد هنادي المصاب. ما الذي يمثّله الجسد في رؤيتك للمرأة والحياة والموت؟
صحيح. لكن سؤالك هذا قد نقضي العمر في محاولة الردّ عليه... في رواية "هند أو أجمل امرأة في العالم"، حاولت أن أُخرج الجسد من سرديّات سابقة كثيرة. وكذلك من النظريات التي طغت بشدّة على كتابة النساء، تأليفاً ونقداً. أنا لا أرى الجسد في تعريفاته الدارجة. فلا هو جسد الأمومة الذي أمعنّا في تقديسه أو في ابتذاله وإخضاعه لأفكار سابقة على تقصّي الكتابة، ولا هو ذلك الجنسي المنتهك، الضحية المسلوب الرغبات باستمرار، أو ذلك الذي يؤطّر في الوظيفة الاجتماعية لتحميله دروساً وعبراً. وحتى لا نطيل الجسد هو أوّل درجات الوعي بالذات، وأنا شخصياً لا أجد نفسي في النظريات الخالصة ذات الأقفال، مهما كانت، ولو إني أفيد جداً من الاطّلاع عليها، فهي بالطبع جزء من ثقافتي، لكن الرواية ليست منشوراً...

*ما الذي يجعل هذه الرواية مغايرة عن أعمالك السابقة مثل "حارث المياه" أو "بريد الليل"؟ وأين تجدين ذاتك فيها أكثر؟
لعلّ ما يجعل هذه الرواية الأخيرة مغايرة هو كونها الأخيرة. أي أنّها تأتي بعد سنوات من العمر، وبعد استقرار معيّن في التناول السردي إثر نشر عدد لا بأس به من الروايات... الحقيقة أنّي لا أعرف. كلّ رواية مغامرة في ذاتها ولا أستطيع المقارنة.

كيف استقبلتِ خبر ترشيحك للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب 2025؟ وهل كنتِ تتوقعين أن تلامس هذه الرواية لجان التحكيم بهذا الشكل؟
الخبر عن ترشيحي للقائمة القصيرة كان مفرحاً جداً. هل توقّعته؟ لنقل إني أملته منذ رأيت عنوان روايتي في اللائحة الطويلة.

باعتبارك كاتبة عربية وصلت إلى قرّاء كثيرين خارج العالم العربي، كيف تقيمين دور الجوائز الكبرى مثل جائزة الشيخ زايد في دعم الأدب العربي عالمياً؟
أنا كاتبة عربية تكتب باللغة العربية. ورغم صدور نصوص أو كتب لي باللغة الفرنسيّة - ليست روايات- ورغم ما نلته وأناله من تكريم وترجمات، يبقى جوهر اهتمامي هو العربية. هي صوتي، هي بيتي الأوّل والأخير، وهي خياري الأكيد حتى قبل هجرتي.

وجائزة الشيخ زايد مهمّة جداً، إذ عرفت منذ فترة وجيزة   بأهميّة تأثيرها من وكيلي الأدبي الأجنبي الذي سُعد كثيراً بورود روايتي في اللائحة القصيرة، وشرح لي باستفاضة عن هالتها ورفعتها عند الأجانب، وعن دعمها للأدب العربي عن طريق المساعدة في الترجمات إلى لغات العالم، فزاد معرفتي معرفةً عن بعدها العالمي.

ما الذي يُميّز جائزة الشيخ زايد للكتاب بالنسبة إليكِ عن غيرها من الجوائز الأدبية؟ وما أثر هذا التقدير على مسيرة الكتّاب والكاتبات العرب؟
أمّا ما يميّزها عن غيرها فأقول باختصار إن هناك جوائز معروفة لا أتمنى التقدّم إليها. أو أنّي صراحة بغنى عن ذلك... وناشرتي "دار الآداب" تعرف ذلك. فالجائزة الأدبية ليست فقط في قيمتها الماديّة، ولو أنّ مبلغاً محترماً يوفّر قدراً من الوقت الحرّ للانصراف إلى الكتابة.

كيف ترين المشهد الثقافي العربي اليوم؟ وهل تعتقدين أن الرواية ما زالت تحتفظ بقوتها في زمن الصور والسرعة؟
لا يحقّ لي التكلّم عن "المشهد الثقافي العربي"، لا بمرّه ولا بشهده. ولا أعرف بالضبط ماذا يعني هذا التعبير الفضفاض. ربّما لأنّي بعيدة، جغرافيّا أو بالممارسة الاجتماعيّة. وربما لأنّه خيار. وأفضّل أن أبقى بعيدة فلا أفكار عظيمة أبشّر بها أو أصحّح مسار التاريخ فأطرحها على الملأ، ولا شلل مؤثّرة تحملني إلى سماء العظمة الأدبيّة.
أمّا عن تأثّر قوّة الرواية بزمن الصور، فهو برأيي تأثّر إيجابي، إذا كان هناك روائي بصير ومتمكّن.

أخيراً، ما الذي يمكن أن تقوله هدى بركات لكتّاب الجيل الجديد ممن يتلمّسون طريقهم في عالم الأدب وسط ضجيج العالم الرقمي؟
أنا لا أقول شيئاً للجيل الجديد ولست في صدد إسداء نصائح من أي نوع. لا أعتقد أنّي مؤهّلة لذلك. أمّا عن الزمن الرقمي وضجيجه، فأكرّر أن الكاتب حين يكون رقماً صعباً فإن الضجيج يخفت بسرعة والأرقام تعود إلى منفعتها الأوّلية العظيمة.

 

أخبار متعلقة :