ايجي سبورت

المبادرة العربية للسلام 2002: الأكثر شمولاً لتسوية الصراع التاريخي... يُسأل عن واقعيّتها اليوم! - ايجي سبورت

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المبادرة العربية للسلام 2002: الأكثر شمولاً لتسوية الصراع التاريخي... يُسأل عن واقعيّتها اليوم! - ايجي سبورت, اليوم الجمعة 28 مارس 2025 03:29 مساءً

ايجي سبورت - آخر قمة عربية عُقدت بشأن فلسطين كانت قمة عربية غير عادية، انعقدت في القاهرة في 4 آذار/ مارس الجاري، حيث ناقش المجتمعون التطورات الأخيرة خاصة في قطاع غزة، وركزت على مواجهة مخططات التهجير وإعادة إعمار القطاع. كما تناولت القمة اتفاق وقف إطلاق النار وضمان تدفق المساعدات الإنسانية. في البيان الختامي للقمة، تم اتخاذ 23 قراراً، أبرزها التأكيد على "ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من تموز/ يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، ورفض أي محاولات لتغيير الوضع الديموغرافي أو الجغرافي في الأراضي المحتلة".

في ظل التصعيد المستمر، يعود الحديث مجدداً عن "المبادرة العربية للسلام" التي صدر عنها إعلان بيروت في 28 آذار  /مارس عام 2002، باعتبارها واحدة من المحاولات الأكثر شمولاً لتسوية الصراع العربي - الإسرائيلي. ومع تزايد الشكوك بشأن إمكانية تطبيق "حل الدولتين"، يُطرح السؤال عما إذا كانت هذه المبادرة لا تزال تشكّل إطاراً واقعياً بكل تفاصيلها، أم أنها أصبحت جزءاً من أرشيف الديبلوماسية العربية يتم الاستعانة بمقرراتها في محطات "التضامن العربي" المواكبة للتصعيد الفلسطيني - الإسرائيلي؟

ظروف نشأة "المبادرة" ولحظتها السياسية
ظهرت المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت عام 2002، في لحظة سياسية بالغة التعقيد، إذ كانت المنطقة العربية تغلي بعد فشل مفاوضات "كامب ديفيد 2" عام 2000 والتي قادها الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون بين رئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود باراك والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. تبادل الطرفان المسؤولية عن الفشل، ورأى كثيرون أن هذه الفرصة الضائعة كانت الأفضل لتحقيق السلام منذ عام 1948. قال كلينتون آنذاك بعد رفض عرفات الصيغة النهائية التي توصلت إليها المفاوضات: "أنا سأذهب، وسيذهب دنيس روس، وسيخسر إيهود باراك الانتخابات المقبلة أمام أرييل شارون ولن يكون جورج بوش راغباً في التدخل بعد كل ما بذلته وفشلت. وما زلت لا أستطيع أن أصدق كيف يمكن أن يرتكب ياسر عرفات مثل هذا الخطأ الجسيم".

فضّل عرفات آنذاك عدم تغيير صورته ولم يستطع أن يقول لنفسه إن هناك حدوداً "للثورة"، باعتباره أنه في حال موافقته على الصيغة النهائية لتلك المفاوضات فإن خصومه الفلسطينيين قد يكتسحون المشهد الفلسطيني عبر الانتخابات وغيرها، وستنتهي "صورة عرفات" التي كلفته الكثير وكلفت الفلسطينيين آلاف الضحايا والخسائر على أنواعها.

بعد أيام من عودته إلى فلسطين، أطلق عرفات انتفاضة الأقصى أو ما عُرفت بالانتفاضة الثانية، مع شرارة اقتحام شارون للمسجد الأقصى، التي أدت إلى مواجهات دامية أعادت الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي إلى نقطة الاشتعال. وبموازاة حوادث "الانتفاضة الثانية"، كانت تهب من الولايات المتحدة رياح التبدلات الجذرية بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001، وما تبعها من تغييرات في السياسة الدولية، إذ فتحت الولايات المتحدة حربها على "الإرهاب"، باحثة عن ترتيبات إقليمية جديدة.

شعرت المملكة العربية السعودية بضغط الحوادث وتداعياتها على مستوى المملكة ودورها في المنطقة، والمستويين العربي والدولي، وكان لا بد من مبادرة تعيدها إلى مواكبة التحولات الجذرية من جهة، وتحمل نوايا إيقاف إراقة الدماء الناتجة عن الصراع الدموي بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جهة أخرى.

أدرك ولي العهد السعودي آنذاك عبد الله بن عبد العزيز أن استمرار الصراع دون أفق للحل سيجعل المنطقة رهينةً دوامة من العنف، فأطلق مبادرته مع عقد القادة العرب القمة العربية في بيروت يومي 27-28 آذار عام 2002، حيث ناقشوا التحديات كافة، وركزوا على القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي. وأعلنوا عن "المبادرة العربية للسلام" التي تعرض على إسرائيل تطبيع العلاقات مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة عام 1967، وقيام دولة فلسطينية، مع حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.

كما أكد القادة العرب آنذاك دعمهم للانتفاضة الفلسطينية، ورفضهم للعنف الإسرائيلي، وجددوا دعمهم للبنان وسوريا ضد التهديدات الإسرائيلية، مع حرصهم على تلازم المسارات التفاوضية لتحقيق السلام العادل. كذلك طالبوا برفع العقوبات عن العراق ورفضوا أي عدوان عليه، ودعموا سيادة الإمارات على جزرها الثلاث المحتلة. وشددوا على ضرورة التمييز بين الإرهاب الدولي وحق الشعوب في مقاومة الاحتلال، وأكدوا على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري العربي.

ورغم أن المبادرة قدّمت ضمانات واضحة لإسرائيل من حيث الأمن والاعتراف، إلا أن الرد الإسرائيلي كان سلبياً. حكومة شارون رفضت التعامل الجاد مع المبادرة، معتبرةً أنها تتطلب تنازلات إسرائيلية غير مقبولة، لا سيما في ما يتعلق بالقدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين. أما دولياً، فقد لاقت المبادرة ترحيباً محدوداً، إذ لم تندفع الولايات المتحدة، المنخرطة آنذاك في غزو أفغانستان ثم العراق، إلى دعمها بجدية، بينما تعاملت أوروبا معها بحذر دون اتخاذ خطوات فعلية لتحويلها إلى خطة قابلة للتنفيذ.

الثوابت العربية ومصير الفلسطينيين
بعد أكثر من عقدين على إطلاق المبادرة، تواجه المنطقة مشهداً مختلفاً تماماً، إذ تغيّرت المعادلات السياسية. وفي ظل الحرب المستمرة في غزة، وما تبعها من تطورات إقليمية ودولية، يجد الموقف العربي نفسه أمام معضلة: هل لا تزال المبادرة العربية، بمبادئها الأصلية، صالحة كأساس للحل، أم أن الزمن تجاوزها في ظل التغييرات الجيوسياسية، بالرغم من تأكيد العرب مراراً وتكراراً على المبادرة كمنطلق أساسي للتفاوض؟

الواقع يشير إلى أن المبادرة لا تزال تحمل عناصر جوهرية يمكن أن تشكل أرضية لأي مفاوضات مستقبلية، خاصة في ما يتعلق بمبدأ قيام دولة فلسطينية تحظى باعتراف كل العالم. لكن التحدي اليوم يكمن في أن السياق الإقليمي لم يعد نفسه، إذ باتت إسرائيل أكثر تشدداً في رفضها لأي انسحابات كبيرة، في ظل حربها مع إيران وأذرعها.

المبادرة العربية للسلام كوثيقة تاريخية حملت آنذاك رؤية كاملة للحل، ويبقى مصيرها مرهوناً بمدى استعداد الأطراف الفاعلة لإعادة تفعيلها، في وقت يزداد فيه التشكيك بإمكانية تحقيق "حل الدولتين" نفسه مع ظهور مؤشرات جديدة بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023 والاتجاهات الإسرائيلية الجديدة التي ترفض بالمطلق هذا الحل، وصولاً إلى اقتراحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة التي أطلقها في شباط /فبراير 2025، والتي قفز من خلالها إلى حدود ترحيل الفلسطينيين من غزة، وهو ما واجهه العرب مع الطرح المصري في إيجاد خطة بديلة دون اللجوء إلى الترحيل القسري.

السؤال الجوهري اليوم: هل من أفكار تتلاءم مع الثوابت العربية في قيام دولة للفلسطينيين تناسب في الوقت عينه الأميركيين؟ وهل خروج "حماس" بالكامل من المشهد الفلسطيني وصعود إدارة فلسطينية جديدة قد يكون عاملاً محرّكاً في مصير الفلسطينيين الذين بدأوا يهتفون ضد "حماس" في الأيام الماضية؟

أخبار متعلقة :