نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الدّولة كخِدمة: تحوُّلات النّظام العالميّ من السيادة إلى الهامِش - ايجي سبورت, اليوم الأحد 13 يوليو 2025 04:11 مساءً
يشهد النظام العالمي تحوّلًا عميقًا، لا يتمثّل فقط في انتقال مراكز القوى أو صُعود دولٍ وانهيار أخرى، بل في إعادة تعريف الدولة نفسها، ليس كمفهومٍ قانونيٍّ صلب، بل ككيانٍ هشّ قابلٍ لإعادة التشكيل، وفقَ مصالح القِوى الكُبرى وتوازنات ما بعد المركز. لم يعُد معيار "السيادة" هو ما يمنح الدّولة مكانتها، بل درجة انخراطها أو خضوعها في النظام العالميّ الجديد، ومدى قابليّتها للتفكُّك أو إعادة البناء بما يُلائم الخرائط غير المرئيّة للقُوّة.
في هذا السياق، الدولة الهامشيّة لم تعُد خارج اللُّعبة، بل أصبحت موقع الاختبار الفعليّ لهذا التحوّل. الهامش – الذي لطالما اعتُبر مستنقع الفوضى – تحوّل إلى مُختبرٍ لسياساتِ ما بعد الدولة: أنظمةٌ غير معترف بها، قوى أمر واقع، تحالُفات مؤقتة، ومؤسسات هجينة تتقاطَع فيها الميليشيا مع البيروقراطيّة. نشهد اليوم تشكّلات سياسية جديدة، تُمارس وظائف الدَّولة دونَ أن تمتلك شرعيّتها التقليديّة، ومع ذلك تُفاوض، وتُهادن، وتُوقّع، وتدخُل في صُلبِ المعادلة الجيوسياسية.
إنّ من يُعيد تعريف الدولة اليوم ليس فُقهاء القانونِ الدستوري، بل أجهزة الاستخبارات، والشركات الأمنيّة، والممرّات الاقتصاديّة العابرة للحدود. مَنْ يتحكّم في المعابر، وفي الموارد، وفي رواية "مَن هو العدو"، يمتلك شكل الدولة وإن لم يحمل اسمها. وهكذا تتآكل السيادة من أطرافها، لا بالانقلاب، بل بالتحلّل البطيء لصيغة "وستفاليا"، لتحلّ مكانها دولة شبكيّة، موزّعة، غير مستقرة، لكنها مقبولة ضمنيًا في لعبة التوازن العالمي.
بهذا المعنى، لم تعُد الدولة كيانًا يُؤسَّس، بل خدمة تُفعَّل أو تُعطَّل حسب الحاجة. وهذا تحوّل خطير، لأنه لا يعيد تعريف الدولة فحسب، بل يُعيد تعريف الإنسان كمُجرَّد رقم في معادلة استقرار، وليس مواطنًا في كيانٍ ذي سيادة. العالم لا ينزلق نحو اللا-نظام، بل إلى نظامٍ آخر... يتكلّم لغة الهامش، لكنه يُدار من المركز.
هذا "النظام" لا يعترف بالحُدود بالمعنى القديم، بل يتعامل معها كخطوطٍ مرنة تُعدَّل بحسب تدفّق المصالح والسلع والنفوذ. في ظلّه، لا يهمّ إن كنت تملك جيشًا، بل إن كنت تملك وصولًا إلى التكنولوجيا، إلى المنصات، إلى سرديّةٍ دوليّة تمنحك قابليّة الوجود. إنه نظام يُعيد تعريف القوّة لا باعتبارها احتكارًا للعُنف، بل كقدرة على إدارة الفوضى، والنّجاة فيها، ثم بيع الاستقرار كخدمة.
ولعل أخطر ما في هذه التحوّلات، هو أنها تُنهي مفهوم "الدولة كضمان اجتماعي". لم تعُد الدولة تعني التعليم، الصحة، القانون، ولا حتى العلم أو الراية. الدولة في هذا السياق الجديد قد تعني فصيلًا متفوّقًا، أو شركةَ مرتزقة، أو طبقة متحالفة مع الخارج، أو إدارة ذكية لمنصات التواصل. ولأنّ النظام العالمي لا يُمانع ذلك، بل يُديره أحيانًا، فإنّ الهوية السياسية للمواطن تصبح مُربكة: مَن يمثّله؟ مَن يحميه؟ مَن يحاسبه؟
في قلب هذا كلّه، تتفتّت الفكرة التي بُنيت عليها الدولة الحديثة منذ القرن التاسع عشر. لم تعُد الديمقراطية شرطًا، ولا المواطنة معيارًا، ولا السيادة ضمانًا. النظام العالمي لا ينهار، بل يتحوّل بهدوء إلى منظومةٍ براغماتية، تقبل أنصاف الدول، وأنصاف الجُيوش، وأنصاف السُّلطات، طالما أنّها تخدم أهدافه المرحليّة. بهذا، لم يعُد الهامش هو ما يقع خارج النظام، بل صار مركزًا مؤقتًا، تُدار منه المراحل الانتقالية لهذا العصر المشوَّش.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : الدّولة كخِدمة: تحوُّلات النّظام العالميّ من السيادة إلى الهامِش - ايجي سبورت, اليوم الأحد 13 يوليو 2025 04:11 مساءً
0 تعليق