الحبس وراء التوقيع الاستقلالية ضمن الانتماء في القضاء اللبناني - ايجي سبورت

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الحبس وراء التوقيع الاستقلالية ضمن الانتماء في القضاء اللبناني - ايجي سبورت, اليوم الاثنين 14 يوليو 2025 12:28 مساءً

ايجي سبورت -  المحامي ربيع حنا طنوس

 

 

 

في بلدٍ تتأخر فيه القوانين كما تتأخر الأمطار في سنةٍ قاحلة، ظلّ قانون استقلال السلطة القضائية ينتظر ان تُروى به الأرض اليابسة، لا هو طُبَّق كاستحقاق دستوري، ولا أجهض صراحةً بل بقي معلّقاً. كأن العدالة في عرف البعض لاتحتاج تحريراً  بل مزيداً من التأجيل.
نصت المادة  20 من الدستور اللبناني بوضوح على أن "السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة والمتقاضين الضمانات اللازمة. اما شروط الضمانة القضائية وحدودها فيعينها القانون.
والقضاة مستقلون في إجراء وظيفتهم وتصدر القرارات والأحكام من كل المحاكم وتنفذ باسم الشعب اللبناني".

 

 

 

غير ان هذه المادة رغم وضوحها لم تُفعّل كما يجب وظلت حبراً على الورق. فكيف تُسمى سلطة مستقلة، وهي لا تتحرك إلا بإذن؟ كيف تصدر الأحكام باسم الشعب، بينما تعطّل باسم المحاصصة؟ 
حين يُشترط التوقيع لإطلاق سلطة القضاء، ويتحول مشروع القانون من إجراء تقني ضروري الى اداة احتجاز، يصبح القضاء محكوماً لا حاكماً، ويحبس الحق في انتظار الحبر. 
وفي مشاهد متكررة، لم تعد العدالة ميزاناً مرفوعاً بل قضية معلّقة كملف انفجار المرفأ، حيث لا غموض في الحق بل في القدرة على قوله. قضاة يُكفّون ويُجمّدون، لا لان الحقيقة بعيدة بل لأنها ثقيلة على آذانٍ نافذة.
والمواطن ، حين يرى القضاء معطلاً يفقد رجاءه بالقانون، ويلجأ إلى ما ليس عادلاً، لأن العدل حين يُخنق في المحكمة يتناثر في الشارع بلا ميزان.
وإذا كان ابن خلدون قد رأى في القضاء من نُحلة المعاش - يعيش بالحق وله - فقد صار في واقعنا من نُحلة الانتظار: يتقاضى معاشاً لا يوازي سلطته، ويُحبس توقيعه خلف إراداتٍ لا تمثّله، حتى أصبح الفعل القضائي الذي يفترض أن يكون تعبيراً عن سلطة ناطقة مجرد إجراء إداري يتطلب موافقة من خارج سلطة القضاء نفسها.
ومشروع استقلال السلطة القضائية، كما اعدّه نادي قضاة لبنان، لم يأت ليمنح القضاة امتيازاً او يخلق لهم جزيرة معزولة، بل لحمايتهم من الضغوط والوصايات وتمكينهم من ممارسة دورهم الدستوري كسلطة قائمة في ذاتها.
هو القانون لا يطلب أكثر من أن يُطبّق الدستور، ولا يدّعي شيئاً سوى ان يكون القضاء سيّد قراره في وجه العبث السياسي  وان تُعاد هيبته من دون اذنٍ من خارج أبوابه.
الاستقلالية ضمن الانتماء ليست مبدأً تجميلياً يُضاف إلى وصف القضاء، بل فلسفة دستورية تُؤسّس لوجوده كسلطة قائمة في ذاتها ومن دورها  ترسيخ دولة القانون. فالقضاء حين يكون مستقلاً، لا ينعزل عن الناس بل يلتصق بهم من موقع الدستور، لا من موقع التبعية. هو ليس سلطة على المجتمع بل معه، يحرس العدالة داخل النظام ويوازي بين السلطات ويُعيد الثقة إلى المعادلة الكبرى: أن الدولة لا تقوم بلا ميزان.
لكن حين تعلّق صلاحياته على إراداتٍ خارجة عنه لا يفقد فعاليته فحسب، بل يفرّغ من معناه ويتحول إلى مجرد صدى قانوني بلا صوت.
إن السلطة القضائية حين لا تُروى بالاستقلالية تذبل كما تذبل الأرض التي انتظرت المطر ولم يأت. تظّل حاضرة بالاسم، غائبة بالفعل، وتصبح العدالة مجرد احتمال مؤجل لا حقاً مضموناً.
فإذا لم يُقرّ قانون استقلال القضاء تتعطل سلطةٌ، لا بحكم النص بل بحكم الإهمال، ويتحول التوقيع من فعل قضائي إلى سُلَّم يتسلق عليه غير القضاء. وحين يحبس التوقيع خلف أبواب لا تنتمي إليه تصبح الدولة عينها عطشى. فهل ننتظر الغيم من جهةٍ لا تمطر أم نعيد إلى هذه السلطة شرعيتها لتمطر عدلاً لا غبارا، ولتبقى الدولة قائمة… لا على توقيع بل على ميزان لا يُحبس؟

                                

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق