ابتهال الشايب في روايتها الغرائبية "شوك وحيد"... كثافة الرموز تتفكك في النهاية - ايجي سبورت

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ابتهال الشايب في روايتها الغرائبية "شوك وحيد"... كثافة الرموز تتفكك في النهاية - ايجي سبورت, اليوم الأحد 23 مارس 2025 09:10 صباحاً

ايجي سبورت - صدرت في كانون الثاني/ يناير الماضي رواية "شوك وحيد" للكاتبة والمترجمة ابتهال الشايب عن "دار النسيم للنشر والتوزيع" في القاهرة. الرواية هي العمل الرابع للكاتبة، فقد سبق لها أن قدّمت رواية بعنوان "يزن"، ومجموعة قصصية بعنوان "نصف حالة"، وأخرى بعنوان "مألوف"، بالإضافة إلى كتب في مجال الترجمة، هي "زمن البانوبتيكون"، مختارات شعرية من الأدب الفرنسي المعاصر، "7 أيام في حياة كلارا"، مختارات قصصية من الأدب الفرنسي المعاصر، قصة "مياه كوكب الأرض"، من أساطير قارة أوقيانوسيا.

في روايتها الجديدة "شوك وحيد"، التي تدور في 170 صفحة من القطع المتوسط، تستكمل الكاتبة مسارها الأدبي عن الإنسان ومعاناته في إطار فانتازي غرائبي، وتبرهن أنها لم تزل تهتم بمسألة التجديد في الكتابة، من خلال الشكل والمضمون؛ وهذا ما جعلها تستغرق أربع سنوات لكي تنتج هذا العمل الأدبيّ المغاير.

تتناول الرواية مسارات عدّة وجودية/ حياتية/ معيشية، مثل أثر القدر في حياة الإنسان، صراعه بين الخير والشر، رغبته في تغيير واقعه، وقدرته على القيام بذلك بين كلّ الصعوبات التي من الممكن أن تطرأ فجأة في الحياة، علاقة الأب بابنه، شعور العظمة، الاستغلال، الإحساس بالفشل والاختلاف الجنسي والغربة، تقديم الأم بصورة أنانية...

السؤال الرئيسي الذي تطرحه الرواية هو هل تحول أيّ كائن إلى إنسان أمر جيّد أم مخيف؟ هل الإنسانية لعنة يجب أن نخشاها، ويجب الهرب منها؟ وهل الخير شيء قبيح نكرهه ونشمئز منه؟ 
القاعدة التي بنيت عليها الرواية هي أن الشرّ هو أساس الوجود، وبإمكان كلّ منا أن يغيّر هذا الشرّ ويحوّله إلى شيء نقيّ، أو أن نقلّله في ذواتنا. كلّ هذا تعرضه الكاتبة من خلال صوتين: "صوت الوحيد"، و"صوت قدره العظيم".

عندما تقرأ هذه الرواية للمرة الأولى تشعر بالدهشة من أن تسقط في داخل عالم غير معتاد عليه، وكأنك سقطت في داخل بعد زمني آخر، ما بين خيال وتخييل، بل وغرائبية قبل التغريب الوجودي في سرد مفعم بالجوى والأسى والحزن الشفيف، القادر على التحوّل إلى فرح طفوليّ لشخوص وبشر بطموحات تتأرجح ما بين السماوات والأرض.

تقنية المساحات ما بين البشر والأمكنة
في مربّع معلّق في الهواء، يقال إنه ينتج البشر والأقدار التي نراها حولنا، يعيش "الوحيد" الذي تراوده فكرة أن يصبح قدراً عظيماً ذات يوم، لكنه يعاني من واقعه الذي يتغير باستمرار من دون إرادة منه، ويحاول بشتى الطرق أن يُصبح ذا تأثير كبير في المحيطين من حوله، حتى ولو كان هذا التأثير سيّئاً ويسبّب الأذى للآخرين.

المربّع مقسّم إلى أجزاء، في جنوبه الشرقي يعيش أهل النور، وفي الجزء الغربي يسكن الوحيد بجانب والده الذي يحكم هذا الجزء، ويعيش فيه أهل المقت.

يكره أهل المقت أهل النور، فكلّ منهم له علاقة خاصة بالنور، الذي يقترب من المربع، ويضغط عليه ليغلقه، ويحرقهم في الوقت نفسه.

 يحبّ أهل النور ذلك النور، وأهل المقت يحاربونه من خلال تقديم الأذى لأهل النور، كي يبتعد عنهم تماماً؛ وذلك من خلال صراعات غرائبية عديدة.

كلّ شيء في المربّع تقريباً غرائبيّ، الكائنات التي تسكنه لم أسمع عنها من قبل، فهي ليست حيوانات موجودة على أرض الواقع، بل هي كائنات من خيال الكاتبة، تحمل الأشياء بعصا تخرج من عيونها، وأجسام لولبية تعتلي صدر كلّ منها. إذا تم التقاط هذا الجسم اللولبيّ يلتصق الكائن بمصادر الضوء التي تسبح أعلى المربع، فتحرق أجزاء من جسده.

طعام الكائنات مختلف؛ فهي تتناول الهواء الأصفر، وأغلبية الكائنات في الجزء الغربي خنثى، تمارس الجنس بمفردها.

تحمل الرواية أيضاً فرصة ذهبية لتغيير واقع أبطالها، وهذا هو الجزء الشمالي للمربع. كل كائن له نسيج خاص مكون من أشواك عدة، إذا التقط الكائن شوكة منها، يتغير واقعه في الحال. كل شوكة لا تحمل تغييراً ما محدداً لصاحبها، فهو يفاجأ بعد ذلك بواقعه الجديد.

"الوحيد" كائن مميز، ولهذا اختارت الكاتبة اسم "الوحيد". يخشى أن يصبح إنساناً في لحظة ما، كأن الإنسانية إهانة، وكأن الخير عدوه. إنه متعال، مؤذ، أناني، يريد تدمير كلّ شيء حوله، ورغم ذلك يتعاطف القارئء معه، ويشعر بالشفقة تجاهه، وأعتقد أن الكاتبة نجحت في صنع هذا التناقض.

أما القدر العظيم فهو مجرد فكرة عاجزة عن أن تتحقق. القدر العظيم لم يدرك ذاته بشكل جيد. كان من الممكن أن يكون خيراً، وفي اللحظة سنجده يتحقق ويصبح عظيماً بالفعل، لكنه لكونه نابعاً من أفكار "الوحيد"، الذي فشل بتحقيق ذاته، لم يدرك معنى النور، والجانب المظلم، ولم يفهم ذوات الأقدار الأخرى التي تدور في داخل المربع؛ فهم أغراضها فقط، ولأنه يجهل معاني الخير والشر، زاد في داخله الشعور بالفشل والضعف.

هناك أيضاً كائن آخر من أهل المقت، هو شبيه الوحيد، وصديقه الوحيد في الرواية، وقد انهارت صداقتهما عندما أصبح الشبيه قويّاً، فقتله الوحيد، ووجد لذة في ذلك، وشعر بأنه حقاً قدر عظيم، قادر على أن يقتل جميع الكائنات في المربع.

رؤى عديدة يفسّرها القارئ
أغلبية الشخصيات في الرواية نتاج لملمات، غرائبية/ تخيلية/ فانتازية، تحسّ وتستبصر ولا ترى إلا بدقة وصف، وتكثيف سرد وخفوته، وسطوع نور اليقين البصيري البازغ من قلب الساردة/ الروائية/ الكاتبة/ الإنسانة، التي تكشف كتاباتها شفافية رؤاها وحسّها الصوفيّ تجاه شخوص روايتها، رغم هارمونيكا الوصف/ البناء/ جماليات اللغة وطريقة الحكي المختارة لقصة الحدث حتى في ما يخص من يمارسون أدواراً ثانوية، وأهمهم البشريّ الثابت، الذي يلعب دوراً مهماً في فهم هذه الرواية، التي تحمل العديد من الرموز، والشكل غير التقليدي، والأحداث المتشابكة، التي تبدو أيضاً للوهلة الأولى غير مفهومة. لكن الرموز في النهاية يجدها القارئ تتفكك في الصفحات الأخيرة، ليفهم ما هو النور الذي يحرق الكائنات، وما هو الجانب المظلم في الرواية. يحمل النور دلالات عديدة فهو الخير، والعلم والضمير وغيرها من المعاني. والجانب المظلم هو الجانب السريّ في داخل النفس البشرية، والمخيف الذي لا يستطيع الإنسان أن يواجه نفسه به.

تحمل هذه الكتابات رؤى عديدة يفسّرها القارئ وفق ما يريد؛ فالكاتبة لم تحدّد معنى معيّناً للرموز ينبع أو تصدره حواسها بحكم فرديّ نرجسيّ، بل هناك رغم بساطة الدلالات متاهات وأغوار عمق الجذر الأوليّ لعتبات هذا العمل الأثير وبداياته.

مثل بقية أعمالها الأدبية، يظهر في الرواية تأثر الكاتبة الشديد بالأدب الغربي. تحتاج مثل هذه الكتابات قارئاً نخبوياً، مطّلعاً على الثقافات الأخرى.

تحسب للكاتبة جرأتها بالتغيير في طريقة طرح الأفكار، فهي لم تنْسَق وراء الكتابات التقليدية الشائعة. هذا النوع من الكتابة يحتاج إلى مجهود وتركيز ووقت كبير لكي يظهر، فهي تعتبر كتابة مجهدة للغاية، بأن تخلق عالماً خيالياً متكاملاً، وكائنات تمارس حياتها بطريقة مختلفة لم نسمع عنها من قبل.

اللغة شاعرية للغاية، وتدعو إلى التأمل، وغير متكلّفة. ما زالت الكاتبة تحتفظ بطفولتها، وتهدي كتابها إلى دبدوبها الصغير، وإلى كلّ شيء مضمر وغائر، وهنا تشير إلى الجوانب المظلمة في داخل كلّ منّا، فتحاورها وتعرض وتتعرض لها في هذا المتن/ العمل الأدبي الغرائبي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق