"أنا رسمتُ صمتي" - ايجي سبورت

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"أنا رسمتُ صمتي" - ايجي سبورت, اليوم الأربعاء 26 مارس 2025 12:48 مساءً

ايجي سبورت - ليليان يمين

لا أعرف كيف أتيت ولا أعرف لمن هذا البيت المهجور ، لكنني وجدت كرسياً خشبياً فجلست، أطلت الجلوس ولم أحاول مرة أن أفتح الباب، الخارج حلم والداخل عتمة، مشيت في المكان طويلاً، رسمت على الجدار الخلفي أعشابا خضراء وغيمة خشية العطش، علّقت صوتي في آذان الشبابيك والمارّة، طبعت أصابعي الخمسة على بابه، أضعت حبيبي وربحت الوقت، كتبت الشعر وعندما لفح الأبيض خصلات شعري لوّنتها بالأشقر، قد يكون هذا البيت لي ويسكنه انتظاري ولكن فجراً فوضوياً أخطأ في المجيء فرسم فاصلاً بيننا.

أستيقظ، على ضوء خافتٍ، لم يكن فجراً جديداً بل بقايا ليل لم يكتمل. لا أعرف حقاً كيف دخلت، نهضتُ ومشيتُ ببطء، خطواتي لم تُصدر صوتًا، كأنّ الأرض امتصّت ثقلي منذ زمن.
إقتربتُ من الباب، تلك الخشبة الصامتة التي لم أحاول فتحها، فكّرتُ للحظة: ماذا لو فتحتُ الباب؟ هل سيندفع
 الضوء فجأة، أم أنّ الخارج ليس أكثر من امتداد لهذه العتمة؟


عدتُ إلى الكرسي، جلستُ، انتظرتُ أن يعود الفجر ليعتذر عن خطئه، لكنه لم يفعل.
بقيتُ جالسةً، لكنّ الكرسي بدأ يتأرجح قليلاً، كأنّ أحداً آخر يشاركني الجلوس. على الجدار الخلفي، الأعشاب نمت دون إذني، والغيمة انزلقت، حاولتُ أن أسمع الصمت، لكنه كان مليئاً بحفيف أقدام لم أرَ أصحابها.

في مكانٍ ما داخلي، كنتُ أعرف أنني لن أغادر.


جلستُ طويلاً حتى لم أعدْ أفرّق بين الجلوس والجمود. كأنني أصبحتُ جزءًا من هذا المكان، لا أختلف عن الجدران التي تنفست الغبار، ولا عن الباب الذي لم أجرؤ على فتحه.
أدركتُ حينها أنني لم أكن أنتظر شيئًا، بل كنتُ أمحو نفسي ببطء. لم أفتح الباب لأنني لم أرغب في الخروج، ولم أحاول المغادرة لأنني لم أعد أرى فرقاً بين الخارج والداخل. العالم كله أصبح يشبه هذا البيت، وهذا البيت لم يعد بحاجة إليّ كي يظل مهجورًا.


أغمضتُ عيني، سمعتُ الصمت ينهار من حولي. كان هناك صوت أخير، يشبه وقع خطوات تبتعد، أو ربما كانت مجرد أنفاسي وهي تفقد شكلها الأخير.


لم يكن الصمت مخيفًا، كان فقط ممتلئًا بكل الكلمات التي لم أقلها. لم أبحث عن أحد لأخبره ما في قلبي، ليس لأنني لم أثق، بل لأنني لم أشأ أن أثقل أحدًا بثقلي. كنت أعرف كيف يبدو ثقل المشاعر حين تتكدس فوق كتف لا يقوى على حملها، لكنني كنت وحيدة هنا. وحيدة كما لم أكن من قبل. لم يعد للهواء حركة، ولا للأصوات صدى، كأنّ المكان كله توقف عن التنفس معي.حاولت أن أقول شيئًا، مجرد كلمة، لكن صوتي التصق بحلقي كغبار قديم لم يجد ريحًا تحمله بعيدًا. لم أكن بحاجة لمن يسمعني، بل كنت بحاجة فقط لأن أقولها، حتى لو لم يسمعها أحد. لا أذكر أنني قلتها

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق