نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
نموذجان نقابيان في التعليم الأساسي الرسمي في لبنان - ايجي سبورت, اليوم السبت 29 مارس 2025 01:40 مساءً
ايجي سبورت - هناك حالياً نموذجان نقابيان في التعليم الأساسي الرسمي في لبنان، يتحركان مطلبياً وينظمان الإضرابات والاعتصامات... ويتواجهان.
نموذج تمثّله "رابطة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي"، ونموذج تمثّله "رابطة معلمي التعليم الأساسي في لبنان" ومعها "لجنة الأساتذة المتعاقدين".
النموذج الأول يمثل 80% من الهيئة التعليميّة في التعليم الأساسي، والنموذج الثاني يمثّل 20% من المثبّتين في الملاك، وهو يرفض تمثيل الـــ 80% في الرابطة لأنهم أساتذة متعاقدون، لا يُسمح لهم بالانضمام للرابطة بحسب النظام الداخلي. لكن في الوقت نفسه تصرّ "رابطة الملاك" على التكلّم باسمهم. فيما "لجنة المتعاقدين" لم تتحوّل إلى تنظيم فعلي بهيئات ديمقراطية، بل بقيت بدون عضوية واضحة وهيكلية، وفضّلت الإبقاء على علاقة تبعية بـ"رابطة الملاك" ربما لأسباب سياسية، باذلةً كل جهودها للطعن بشرعية "رابطة المتعاقدين"، داعية الأساتذة المتعاقدين إلى عدم الانتساب إليها.
النموذج الأول يمثل ما نسمّيه بالعمالة الهشة التي تتصف شروط عملها بعدم الثبات وبالأجور المتدنية وبغياب التقديمات الاجتماعية، فيما يمثل النموذج الثاني العمالة الثابتة التي تتمتع بكامل الحقوق المقرّة عادة للأجراء. بين النموذجين علاقة أشبه بالطبقية والفوقية داخل فئة الأساتذة.
النموذج الأول انتفض على هذا الواقع وأسّس رابطة للمتعاقدين، وتمكّن بعد نضال لنحو عشر سنوات، تحت اسم "اللجنة الفاعلة"، أن يستحصل على العلم والخبر لرابطته، رغم الضغوطات السياسيّة ومماطلة وزارة الداخليّة وفصل رئيسة الرابطة الدكتورة نسرين شاهين من عملها تعسفياً بقرار من وزير التربية السابق عباس الحلبي، لسبب وحيد وهي أنها كانت تطالب بشجاعة وثبات بحقوق الأساتذة المتعاقدين.
"رابطة المتعاقدين" حصلت على شرعيتها حديثاً بعد شكوى إلى مجلس شورى الدولة الذي طالب وزارة الداخليّة بإعطائها العلم والخبر، كما حصلت على قرار من مجلس شورى الدولة نفسه يطلب من وزير التربية في حينه إعادة رئيستها إلى التعليم، وترافق كل ذلك مع إضرابات واعتصامات حقّقت الكثير من المطالب.
"رابطة الملاك" حصلت على شرعيتها منذ 2009 وخاضت نضالات محدودة انحصرت في إطار "هيئة التنسيق" التي قادت معركة سلسلة الرتب والرواتب. إلاّ أنها ما عدا هذه المرحلة، استكانت وراحت تساير السلطة. ذلك أنها أصبحت تحت هيمنة الأحزاب السياسيّة مثلها مثل باقي روابط الأساتذة اليوم. والشيء نفسه يمكن قوله عن "لجنة المتعاقدين" التي تتبع عمليًّاً "رابطة الملاك". في حين أن "رابطة المتعاقدين" منظمة مستقلّة عن الأحزاب السياسيّة رغم أنها تجمع أساتذة من كل الطوائف والمناطق، لكن قراراتها نابعة من هيئاتها الدستوريّة بكل حريّة. وهي في حراك دائم من أجل الدفاع عن المتعاقدين.
"رابطة الملاك" ومعها "لجنة المتعاقدين" بدأتا بالتهديد بالإضراب وبالتصعيد قبل عقد الحكومة الجديدة لاجتماعها الأول، ما أعطى الانطباع بأنهما ربما يتحركان بدوافع سياسيّة في ظل الانقسامات السياسيّة في البلاد، وخضوعهما لفريق من الأفرقاء السياسيين المتنازعين.
"رابطة المتعاقدين" بدأت بالتفاوض مع وزيرة التربية على مطالبها، وعندما اتخذت الوزيرة قرارات تقلّص من مكتسبات المتعاقدين، نفّذت الإضراب التحذيري ليومين ونظّمت اعتصاماً حاشداً أمام وزارة التربية، ما جعل وزيرة التربية تفتح باب التفاوض من جديد وتعد بإعادة النظر بقراراتها. وعليه أعطت "رابطة المتعاقدين" مهلة أسبوعين للحكومة للبت بما وعدت به وزيرة التربية، وإلاّ فالعودة إلى الضغط من جديد.
"رابطة الملاك" ومعها "لجنة المتعاقدين" اعتصمت بعد يومين من اعتصام "رابطة المتعاقدين" وهدّدت بالإضراب المفتوح. ومعلوم أن أساتذة الملاك عندما يضربون يتقاضون أجر أيام الإضراب، في حين أن الأساتذة المتعاقدين يخسرون بدل أتعاب أيام الإضراب، بحكم عملهم اليومي. عندما يُضرب الأساتذة المتعاقدون، يحسبون ألف حساب ويدفعون من جيوبهم ثمن نضالهم، وربما أيضا يؤدي ذلك إلى طردهم من العمل. أما أساتذة الملاك فيمكن للإضراب أن يصبح بالنسبة لهم ممارسة روتينية لا تؤثر لا على أجورهم ولا على ديمومة عملهم.
"رابطة المتعاقدين" لا تهاجم "رابطة الملاك" و "لجنة المتعاقدين" إلاّ دفاعاً عن نفسها وعندما يجري التهجم عليها، لكن "رابطة الملاك" أحياناً و"لجنة المتعاقدين" على الدوام، تهاجمان "رابطة المتعاقدين" ورئيستها لأنها "مطرودة من عملها" بسبب نشاطها النقابي، وكأن ذلك عيب بدل أن يكون نيشاناً يعلّق على صدرها. وأخطر ما بدأت تقوم به "لجنة المتعاقدين" هو العزف على الوتر المذهبي، من خلال دعوة الأساتذة المتعاقدين من مذهب معيّن، للانسحاب من "رابطة المتعاقدين". كل ذلك بالتعاون مع بعض المدراء الذين راحوا يهددون الأساتذة المتعاقدين بإلغاء ساعاتهم، إذا لم ينسحبوا.
"رابطة المتعاقدين" تأخذ بالاعتبار في تحرّكها، مطالب المتعاقدين ومستقبل المدرسة الرسميّة وماليّة الدولة. إنها تريد أكل العنب. "رابطة الملاك" ومعها "لجنة المتعاقدين" تزايدان وتصعّدان دون اعتبار لماليّة الدولة، التي ساهمت احزابهما بإفلاسها. وكأنهما تريدون قتل الناطور.
"رابطة المتعاقدين" لا تريد أن تقحم نفسها في التجاذبات السياسيّة في البلاد، فهي تريد أن تبقى الحكومة تعمل وتقرّ لها بمطالبها. "رابطة الملاك" ومعها "لجنة المتعاقدين"، ربما كانتا تتمنيان، من خلال تضخيم المطالب وإطلاق المزايدات، أن تعجز الحكومة عن الاستجابة لمطالبهما وتراكم الفشل حتى... الاستقالة. فلطالما كرّرت "رابطة الملاك" و"اللجنة" وبدون خجل، "ترحمهما" على الحكومة السابقة.
في قطاع التعليم الرسمي إذاً صراع بين نموذجين نقابيين: نموذج تابع للأحزاب السياسيّة وهو النموذج السائد في الوسط النقابي اللبناني، ونموذج مستقل يناضل من أجل تعميم قيم الحريّة والديمقراطيّة والنضال النقابي بين الأساتذة، علّها تنتشر في أوساط الأجراء في كافة القطاعات.
ويحمل النموذجان أيضاً ملامح جندرية تستحق بحثاً خاصاً: فالنموذج المستقل تقوده النساء مع قلة من الرجال، فيما النموذج التابع يقوده الرجال مع قلة من النساء.
الذين يطالبون بتوحيد العمل النقابي في التعليم الأساسي الرسمي، عليهم التأمل جيداً بالتناقضات الفاضحة بين النموذجين. ونسبةً للفارق الكبير بين عدد الأساتذة المتعاقدين وعدد أساتذة الملاك الذي يتناقص سنة بعد سنة، لم يعد السؤال اذا كان المطلوب التحاق الأساتذة المتعاقدين برابطة الملاك لتحقيق الوحدة، بل إذا كان الواقع أصبح يفرض حركة انتقال عكسية، باتجاه رابطة المتعاقدين، وذلك حفاظاً على العمل النقابي المستقل وعلى مصلحة جميع الأساتذة.
0 تعليق