نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية: العودة إليها قد تكون مفيدة - ايجي سبورت, اليوم السبت 22 مارس 2025 11:55 صباحاً
ايجي سبورت - في 23 آذار/مارس 1949، وُقّعت اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل في بلدة رأس الناقورة، باعتبارها جزءا من سلسلة اتفاقيات أبرمتها إسرائيل مع الدول العربية المجاورة بعد حرب عام 1948. ورغم مرور 76 عاماً، لا تزال هذه الاتفاقية تشكل إطاراً قانونياً يُعزز الموقف اللبناني، ولا سيما في ظل التحديات المستمرة على الحدود الجنوبية.
الجذور التاريخية
للعودة إلى جذور القضية، لا بد من التوقف عند اتفاقية بوليه - نيوكمب الموقّعة عام 1923 بين سلطات الانتدابين الفرنسي والبريطاني، والتي حدّدت الحدود بين لبنان وفلسطين. اعتُمِدت هذه الاتفاقية حدودا دولية رسمية من عصبة الأمم، ما منحها شرعية قانونية.
بعد الحرب العربية-الإسرائيلية الأولى، أجرى لبنان مفاوضات مع إسرائيل بوساطة الأمم المتحدة، أسفرت عن اتفاقية الهدنة لعام 1949، التي نصّت على وقف العمليات العسكرية واحترام الحدود الدولية لعام 1923 باعتبارها خطّا فاصلا بين لبنان وفلسطين. ورغم أنها لم تكن معاهدة سلام، فقد أسست لنظام قانوني يُنظّم العلاقة الحدودية بين الطرفين، كما تم إنشاء لجنة الهدنة المشتركة لمراقبة تنفيذها ومنع أي اعتداءات متبادلة.
انهيار فاعلية الهدنة
استمرّت الاتفاقية إطارا لضبط الحدود حتى منتصف ستينيات القرن الماضي، حين بدأ المسلحون الفلسطينيون باستخدام الجنوب اللبناني قاعدة لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، ما أدى إلى تراجع مفاعيل الهدنة. تفاقم الوضع أكثر مع حرب 1967 التي أدت إلى احتلال إسرائيل مناطق جديدة، وازدياد التوتر على الجبهة اللبنانية. تواصل التصعيد مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1978، وهو ما دفع مجلس الأمن إلى إصدار القرار 425 الذي طالب بانسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني. لكن الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وسّع نطاق المواجهات، ولم يتحقق الانسحاب الإسرائيلي إلا في 25 أيار/مايو 2000.
مع هذا الانسحاب، تغيّرت طبيعة النزاع، وخصوصاً بعد رفض "حزب الله" التزام بنود اتفاقية الهدنة، واعتبر نفسه في صراع مفتوح مع إسرائيل، بحيث كان يخدم المصالح التفاوضية لسوريا وأهداف إيران الإستراتيجية. تحوّل المشهد الحدودي إلى ساحة مواجهة متكرّرة، خصوصا بعد حرب تموز/يوليو 2006 التي أدت إلى إصدار القرار 1701، الداعي إلى وقف الأعمال العدائية ونشر الجيش اللبناني جنوب الليطاني بالتعاون مع "اليونيفيل". غير أن الالتزام الكامل لهذا القرار لم يتحقق، وظلت المنطقة في حالة توتر دائم.
الخط الأزرق: انسحاب أم حدود؟
بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، قامت الأمم المتحدة بترسيم الخط الأزرق لتأكيد الانسحاب الإسرائيلي، لكنه لم يتطابق تماماً مع خط الهدنة لعام 1949، ما أدى إلى نشوء مناطق متنازع عليها، أبرزها مزارع شبعا (المسجلة أراضي سوريّة في الأمم المتحدّة بسبب عدم اعتراف سوريا بلبنانيّتها) وتلال كفرشوبا والنقاط الـ13 التي يعترض عليها لبنان. اعتمدت الأمم المتحدة الخط الأزرق مرجعا لترسيم الحدود، متجاهلة بعض الحقائق التاريخية والقانونية التي تثبت حق لبنان في تلك الأراضي.
وفق اتفاق الطائف (1989)، أكد لبنان التزامه اتفاقية الهدنة إطارا قانونيّا لتنظيم العلاقة مع إسرائيل، إذ شدد الاتفاق على بسط سيادة الدولة اللبنانية ورفض أي احتلال إسرائيلي، مع التمسّك بالقرارات الدولية. واليوم، تُطرح تساؤلات جدّية عن دور هذه الاتفاقية في ظل تغيّر معادلات الصراع.
يرى مراقبون أن إعادة تفعيل لجنة الهدنة المشتركة قد يكون مدخلاً لإرساء الاستقرار وفق الحدود المعترف بها دولياً، خصوصا أن استثمار الاتفاقية كأداة ديبلوماسية وقانونية يُعطي لبنان ورقة ضغط في المحافل الدولية. بات واضحاً للجميع أن لبنان لا يملك إلا هذه الأداة، فسرديّات القوّة والردع التي روّج لها "حزب الله" أثبتت فشلها ولم تحقق سوى مزيد من الدمار للجنوب اللبناني. من هنا يمكن لبنان أن يستفيد من الاتفاقية لإعادة ضبط الحدود وفق القوانين الدولية، بما يحفظ سيادته ويمنع أي استغلال إسرائيلي للفروق القانونية بين الخطوط المختلفة.
في غياب الاستقرار الحدودي، وتحديداً بعد الحرب الأخيرة التي شهدها لبنان، يبدو أن العودة إلى الأُسس القانونية والديبلوماسية قد تكون الخيار الأكثر فاعلية لاستعادة الاستقرار، خصوصاً أن غياب القرار السياسي الحازم في الداخل اللبناني في المراحل السابقة حال دون تنفيذ العديد من بنود القرارات الدولية السابقة، وعلى رأسها القرار 1701.
يبقى السؤال مفتوحاً: هل يتمكّن لبنان من استخدام الاتفاقية أداة قانونية لضمان حدوده، أم أن الصراع العسكريّ، في حال تجدد الجولات القتالية بسبب عدم التزام ترتيبات وقف النار الأخيرة، سيحرم لبنان أولويّة تسوية نزاعاته الحدوديّة؟
0 تعليق